الجمعة، 3 غشت 2012

نقض العهود وسياسة الاستمتاع بإيذاء المواطنين (أم آدم نموذجا)



صورة جماعية لعدد من المتعاطفين مع قضية أم آدم، أمام سجن تيفلت أول أمس الأربعاء

بقلم: مصطفى محمد الحسناوي























كنت سأكتفي بكتابة هذا الخبر على الشكل التالي:

رافقت السيدة أم آدم للمرة الثانية يوم الأربعاء فاتح غشت للسجن المحلي بتيفلت، بعد وعد قدمه المندوب العام لإدارة السجون لزوجها بالسماح لهما بتوثيق عقد زواجهما. ليتبين أن الأمر كان مجرد مسرحية لا تختلف عن المسرحيات السيئة الإخراج والوعود الكاذبة التي دأبت عليها الدولة لمغربية ممثلة في كل أجهوتها ومسؤوليها، كان على المعنية بالأمر الذهاب للمحكمة من أجل جلب وثيقة للسماح بولوج عدلين للمؤسسة السجنية بتيفلت، حيث طلبوا منها شهادة ثبوت الزوجية وهي الشهادة التي تلكأت محكمة قضاء الأسرة في منحها إياها لمدة سنة كاملة. لتكتشف أن الأمر مجرد لعبة حقيرة لاستنزاف طاقتها واللعب على أعصابها وإدخالها من جديد في دوامة البيضة والدجاجة أيهما أسبق؟ لترجع بخفي حنين من جديد لباب السجن وتترجى المدير ونائبه هناك للسماح لها بالدخول لرؤية زوجها لحين استكمال الإجراءات التي ستبدؤها من جديد، لكن دون جدوى، لترجع المسكينة من تيفلت إلى الدار البيضاء في يوم حار قائظ.
كان من الممكن كتابة الخبر بهذا الشكل.
لكن
وجدت نفسي عاجزا عن نقل الخبر جافا مجردا من أي إحساس، من أي تعاطف أو استنكار، خاصة بعد تجاهل كل الجهات القريبة والبعيدة الحقوقية والسياسية والمدافعة عن المعتقلين الإسلاميين، لمعاناة السيدة أم آدم في قضية توثيق عقد زواجها مع السيد مولاي عمر العمراني، معاناة دامت سنة ونصف، وعشت جزءا منها في أول أيام رمضان، وأدليت بشهادتي التي نشرتها وسائل الإعلام داخل المغرب وخارجه، لنتفاجأ بعد أربعة أيام بوعد تقدمه الدولة على لسان المندوب العام لإدارة السجون حفيظ بن هاشم ، للسيد العمراني بخصوص توثيق عقد زواجه من السيدة أم آدم (فتيحة حسني)، وطلب منه إحضار عدلين الأربعاء الموالي لتوثيق العقد، وخلال تواصلي ذلك الأسبوع بالسيدة أم آدم وزوجها، كانا مستبشرين خيرا ومتفائلين رغم العهود المنقوضة والوعود المنكوثة التي أصبحت سمة كل مسؤولي هذه البلاد، ورغم تجربتهما المريرة مع إدارة السجون والمحاكم والقضاة في هذا الملف بالذات.
أنا أيضا لم يساورني الشك أن الأمر جد، واعتقدت أنها إشارة لطي هذا الملف المفتعل، وإنهاء هذه المعركة غير المتكافئة التي تشنها دولة بأجهزتها كلها ضد أمة ضعيفة مظلومة مكلومة، ولم يخطر ببالي أن الأمر برمته مجرد مسرحية يضحك فيها الممثلون على جمهورهم، ويتسلون بجراحهم ومعاناتهم، لم أتصور أن توجد دولة على وجه الأرض تعامل مواطنيها بهذا الحقد وهذا البغض وهذه السادية، تتلذذ بعذابهم وتنتشي بصرخاتهم
لست أدري أي مصلحة عند هؤلاء القوم بفتح باب الأمل من جديد أمام هذه السيدة وزوجها، ثم إقحامهما في دوامة ومسطرة سبق لهما أن سلكاها أكثر من مرة دون جدوى، أي منطق يجعل هؤلاء المسؤولين يتفرجون عليهما وهما يسابقون الزمن من أجدل جمع الوثائق المطلوبة، وعند الانتهاء يتم ترحيل الزوج لسجن آخر لكي تصبح كل تلك الوثائق لاغية، أن يقول بنهاشم سأعذبها كلما أشرفت على إنهاء الوثائق رحلت لها زوجها لمكان آخر، أن يقول نائب وكيل الملك بالرباط، لن أسمح بتزويج تلك المرأة، هل نحن في دولة يحكمها قانون، أم نحن تحت رحمة ميليشيات وكتائب وبلطجية وشبيحة تسير مناطق نفوذها كما يحلو لها.
وجدت نفسي مضطرا لأن أوضح لكل من له يد من قريب أو بعيد في زيادة معاناة هذه السيدة بأوامره أو تنفيذه أو سكوته، أن أقول لكل من وعدها فأخلف، وعاهدها فنكث، وفتح باب الأمل في وجهها ثم أوصده بخسة ودناءة وقلة مروءة، أن أذكره في هذه الأيام المباركة أن نقض العهود والاستهانة بحقوق العباد والاعتداء على امرأة ضعيفة أمر في ميزان العدل الإلهي نحن المسلمين، لن يمر دون عقاب إلهي.
قال ابن الجوزي رحمه اللهإن نقض العهد من صفات الفاسقين.
وإن هؤلاء الذين ينقضون عهودهم سيجدون عقوبة ذلك في يوم من الأيام، قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى: ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: البغي ، والنكث ، والمكر، وقرأ ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) (فاطر/43 ( )يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) ( يونس/23 (  )فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) ( الفتح/10)
وقال ابن عطية في تفسير آية الفتح هذه (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) قال: إن من نكث يعني نقض العهد فإنما يجني على نفسه، وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له.
لقد كان من صفة اليهود ولا يزال نقضهم للعهود والمواثيق، وسار على نهجهم في ذلك تلامذتهم في الشر، فقال تعالى عنهم  (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ.
ولقد دأب المنافقون في التخلق بهذا الخلق الذميم، فأصبحوا لا يرعون ديناً ولا خلقاً ولا عرفاً، وأصبحوا يستحلون نقض العهد والميثاق بأتفه الحيل، وأقل الأسباب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق