السبت، 28 أبريل 2012

شيطان بفستان





كانت لي حبيبة هي إلى صفات الشيطان قريبة، أحببتها حبا لم يعهده الأولون، ولن يشهده الآخرون، أضفيت عليها كل صفات الطهر والنقاء، والحشمة والعفاف والوقار، والبراءة وسلامة الطوية، وأسبغت عليها من المزايا ما يرفعها فوق صفات البشر، وثقت بها ثقة المرء بنفسه، بل أكثر.
كانت حبيبتي ماكرة، عرفت كيف توقعني في حبائلها، لم تترك منفذا إلى قلبي إلا ولجته، ولا بابا لعقلي إلا طرقته، ولا سبيلا لنفسي إلا سلكته، فتقمصت كل الشخصيات المحبوبة إلي، وانتقت كل العبارات المفضلة لدي.
كانت حبيبتي غادرة، فقد كانت تضمر عكس ماتظهر، وتخفي غير الذي تبدي، توقع الضحية في شباكها، ثم تتفنن في إيذائها وتعذيبها، كجلاد حاقد، ثم تتركها ليقتلها الموت البطئ، وتهجرها كما يهجر الحيوان المفترس، بقايا طريدته.
كانت حبيبتي خائنة، توقع أكثر من ضحية بنفس الطريقة، تتقلب بين الرجال دون كلل ولا ملل، عازفة نفس اللحن، تنشد نفس الأغنية، وتلبس نفس القناع، قناع البراءة، براءة حد البلادة والبلاهة، هذا ما يبدو على ملامحها، لكنها ذكية وعبقرية وفنانة، تراجع مواعيد عشاقها لليوم الموالي، قبل نومها، تحدد المكان والزمان والتوقيت، كمسؤول عن تنظيم مواعيد القطارات وسيرها، كي لا تلتقي وتصطدم.
ذكية وعبقرية وفنانة في انتقاء الضحية
ذكية وعبقرية وفنانة في استدراجها
ذكية وعبقرية وفنانة في إحكام السيطرة عليها، في إغراقها وكتم أنفاسها، في لفظها كالنواة.
حبيبتي شيطان استدرجني واستزلني، فعشقتها، منحتها عصارة قلبي وخلاصة حبي، واعتقدت أني بحبها أسمو فإذا بي أهوي.
حبيبتي شيطان، لأني اكتشفت خيانتها، ولم أتوقف عن حبها، كلما ازدادت هجرا ازددت تعلقا، تزداد خيانة فأزداد حبا، تنساني فأذكرها، تتجاهلني فألح عليها، تؤذيني فأسامحها، لم يعد لي في قلبي لها أي مكان للبغض أو الحقد، الحب أسهل من الكره على نفسي، أي شيطان تلبس بي، أسعى لحتفي بظلفي.
كنت أستغرب من عبدة الشيطان، يقدسون من يسوقهم إلى الجحيم، ويعبدون من سيحرمهم من النعيم، فإذا بي في محراب شيطاني أتوسله، أن يزيدني عذابا، ويسقيني آلاما وأوجاعا، أذرف الدموع ليجود باسترقاقي، ويتفضل باستعبادي، ويتكرم باقتيادي لحظيرة ضحاياه ومقبرة قتلاه.

الأربعاء، 25 أبريل 2012

فردوس اللقاء وجحيم الفراق



فردوسي المفقود، قمري المنير.
كان لإطلالتك مرة كل شهر، الأثر البليغ في إضاءة الكثير من عتمات حياتي، فكنت أستغل لحظة تهل علي بوجهك الصبوح، لأتزود بما يكفيني من نور ضيائك، آخذ منه مايكفيني لغاية إطلالة مقبلة، أحفظه في قلبي بين جوانحي، فأحس بفؤادي كسراج تتراقص الفراشات من حوله، ويظل كذلك متوهجا، كلما بهت نوره زودته من نورك.
لم تكن ياقمري مصدر نور فقط، بل كنت حدائق غناء ذات بهجة، أستمد منك الإلهام والعطر والنسيم العليل.
كنت فردوسا أتفيء ظلاله وأنعم بهدوءه وسكونه.
كنت بحرا زاخرا باللآلئ والجواهر واليواقيت، لكنك كنت عميقا وغامضا.
بقيت مقيما في هذا النعيم، أسعد بإطلالتك كل شهر، يلتئم فيها شملنا، ونحيي آمالنا، فكان لقاءنا أسعد ما يكون من لقاء، تأخذني النشوة حتى لاأحس بسواك، ولاأرى إلا ضياك.
وفجأة قررت أن تطفئ أنوارك، وتمنع أخبارك، فانتظرتك الشهر والشهرين والحول والحولين.
يالقسوتك، كيف تحبس نورك عن أحبابك وأصحابك، والدجى سواده حالك.
يالقسوتك، كيف تمنع ظلالك، ولهيب الشمس لافح.
أرغبت عنا حتى لم يعد لنا في ضيائك نصيب؟.
كيف انقلب النعيم جحيما وتنكر الحبيب للحبيب؟.
أهو الفراق الذي مابعده لقاء؟ أهو الهجر والبعد والجفاء؟
أأنتظر إطلالتك؟
كلا ...فراقك أهون عندي من انتظار قد يطول، بل الموت أهون منهما معا، لن أحيا إذن هذه الحياة بدونك، الموت أرحم، بعد أن أصبح حالي كما قال الشاعر:
يا من لهذا المريض المدنف العاني        مردد النفس من آن إلى آن
إذا رآى الليل ظن القبر شق له         وظن أنجمه آثار أكفان
ويحسب الصبح باب الموت لاح له      وفوقه الشمس قفل فتحه داني
مطرح الهم في كل الجهات فما       يرى بكل مكان غير أحزان.

الثلاثاء، 24 أبريل 2012

فرعون وجنوده

فرعون وجنوده
لاشك أن الأنظمة الحاكمة إما أن تستمد قوتها وسلطانها من شعوبها، أو تستمدها من الدول الكبرى التي تدعمها، ولا شك أيضا أن جيوش هاته الأنظمة تكون في الحالة الأولى، درعا وحصنا يحميها من أطماع الدول الاستعمارية. وتكون في الحالة الثانية سوطا يلهب ظهور أبناء الشعب وبعبعا يخيفهم ويرعبهم. وهو في الحالتين سلاح النظام ضد أعدائه وخصومه.
هذه المسلمة، جعلتني أقف أمام أحداث مصر وتونس، موقف المتوجس الحذر، مما يروج له الإعلام من حياد الجيش أو انحيازه للشعب، وكل تلك الشعارات الجوفاء التي لا يصدقها إلا البلهاء.
إن الجيش مكون رئيسي من مكونات النظم الحاكمة، له ما لها وعليه ما عليها، ورؤوسه تربطها بالرؤوس السياسية الحزبية والتقنوقراطية الحاكمة، علاقات لا حد لها ولا حصر، من مصاهرات ومشاريع وبرامج وأهداف وجرائم وفساد وخبايا وخفايا وأسرار. كما تربطها بالغرب علاقات تبدأ بالتكوين والدراسة، ولا تنتهي عند التعاون وتبادل الخبرات. كل هذا وذاك لا يمكن معه أن تقف هاته الرؤوس وهي ترى أصدقاءها وشركاءها ورؤساءها، تعصف بهم الثورات، متفرجة أو محايدة، متجردة من كل مشاعرها وأحاسيسها وآمالها وطموحاتها ومصالحها وتعهداتها والتزاماتها وارتباطاتها، وكأنها جيوش دول أخرى جيء بها للمراقبة وحفظ السلام، ثم الانصراف لحال سبيلها بعد إنهاء المهمة.
المتتبع للأحداث الأخيرة، قد يفاجأ بمواقف الجيش في كل من تونس ومصر، خاصة وأن الجيوش العربية ارتبطت في الأذهان بالقمع، بل بالإبادة في حق المحتجين والمتظاهرين، كما ارتبطت أيضا بالعمالة في بعض الأقطار، وقلما تجد بقعة من بقع وطننا العربي والإسلامي، غير محتلة، ومع ذلك فالجيوش تتبجح بأنها حامية الأوطان، رغم أن سجلاتها حافلة بكل أنواع الخزي والعار، فالجيش الأفغاني يتلقى الدعم والتدريب من محتليه، والجيش العراقي أيضا، والجيش الباكستاني يتولى إبادة القبائل الباكستانية بالوكالة عن الأمريكيين، وهي نفس مهمة الجيش اليمني، والجيش اللبناني لم يطلق رصاصة على اليهود، لكنه يستعرض عضلاته على نساء وأطفال مخيم نهر البارد، والجيش السوري الذي اقترف جريمته بحماة، والتي راح ضحيتها ما يقارب من 80 ألف قتيل، وهدم ما يقارب من 90 مسجدا، يقف متفرجا على أراضيه المحتلة بالجولان. وهكذا لا تفلح هاته الجيوش إلا في قتل المسلمين إما من مواطنيها أو في نزاعات بينية ( بين الدول الشقيقة المتجاورة )، ولا نجدها تطلق رصاصة على محتلي ترابها.
إذا أضفنا لكل ذلك، علاقة هاته الجيوش بأمريكا، من تأييد وتدريب وتمويل، فجيش السلطة الفلسطينية مثلا يتلقى من أمريكا 3 مليون دولار، وقدمت الولايات المتحدة للجيش اللبناني 720 مليون دولار كمساعدات خلال خمس سنوات، أما الجيش المصري فيتلقى مليار ونصف المليار دولار كدعم سنوي، أضف إلى ذلك، إجرائه مشاورات سنوية مع الجيش الأمريكي منذ 27 سنة، كانت آخرها في الأيام الأولى لانتفاضة مصر، حيث قطع مسئولون كبار مشاوراتهم عند اندلاع الاحتجاجات. وكل من تابع تصريحات الأمريكيين واليهود خلال هذا الأسبوع، يرى حجم الصدمة والارتباك والهلع، من سقوط هذا النظام العلماني العميل العفن، فقد صرح لقناة الجزيرة مسئول أمريكي أن دعمهم وتعاونهم لن يكون إلا لنظام علماني ( وهذا اعتراف وفضح لكل من يتعاون معهم بأنه علماني )، وبكى اليهود الصهاينة على مصير أمنهم وحدودهم المهددة، ولا شك أن النظام المهترئ العميل لم يكن يسهر على أمن إسرائيل وحدودها، بجيش من المريخ، ولم تكن أمريكا لتدعم جيشا وتجري مشاورات معه طوال أزيد من ربع قرن، وهي ترى فيه ما يهدد أمنها أو أمن ربيبتها، وهذا الرئيس الفاسد العميل، ما هو إلا القائد الأعلى للقوات المسلحة. أبعد كل هذا يكون الجيش محايدا، ويدا واحدة مع الشعب.
لقد أصبحت هذه الأنظمة المهترئة العلمانية العميلة، تشكل عبئا على أسيادها، حيث أصبح الغرب من جهة محرجا أمام المنظمات الحقوقية مناقضا لنفسه أمام قوانينه ومواثيقه، جراء دعمه لأنظمة فاسدة. وسياسة الكيل بمكيالين التي يعتمدها.
من جهة أخرى قد يولد الضغط الذي أحدثته هاته الأنظمة والفساد الذي نشرته، وضعا غير محسوب أو مدروس، تكون فيه مصالح هذا الغرب مهددة، وأخوف ما تخاف منه دول الغرب أن تستثمر الجماعات المسلحة الإسلامية، أوضاع القمع والاضطهاد، لتجد لنفسها موطئ قدم، أو تجيش الشباب وتستقطبهم، لذلك فإن البدائل أنظمة عميلة بأقنعة سميكة أو مموهة، يصعب اكتشافها بسرعة، وتنطلي حيلتها على أغلب الشعب لمدة طويلة.
إن تحقيق الهدف المذكور آنفا، يستدعي غض الطرف عن هاته الثورات، لإزاحة هاته الرؤوس العفنة التي انتهت صلاحيتها، وتأمين انتقال السلطة لآخرين قد يكون سقف الإملاءات عليهم أقل وعمالتهم أخفى لكنها مؤكدة، لأمور:
أولها أن الغرب لن يسمح بأنظمة ضد مصالحه، بل هو يشترط حكومات علمانية ليعترف بها.
ثانيها لأن هاته الشعوب لاتملك قوة ردع حقيقية، لتفرض ما تريد، فهي تحت رحمة الجيش، لذلك رأيناها تتدلل له وتغازله، وترد على تقطيبات الجنود ووجوههم العابسة، بابتسامات صفراء من الفزع.
وثالثا أن طبيعة المرحلة ونشوة الانتصار عند الشعب، تقتضي من الغرب مراعاة هذه المشاعر لخفض الشروط و الإملاءات.
وإن تأمين هذا الانتقال لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الجيش، الذي حسب اعتقادي تصبح الأوامر والتوجيهات، في مثل هاته الأوضاع، تأتيه من العواصم الغربية، ومن واشنطن على وجه الخصوص، فالمتابع لانتفاضة مصر، ولخطوات الجيش ومناوراته وبياناته، كدعوته الالتزام بحظر التجول، وإعلانه احترام مطالب المتظاهرين، والتعهد بعدم التدخل بقوة، ثم تهديد مغلف بالحب والتقدير والاحترام، بتفريق التظاهر، ودعواته لإخلاء ميدان التحرير، ووقوفه موقف المتفرج من الاعتداءات والقتل الذي تعرض له المحتجون على يد زبانية نظام مبارك. لا يمكن أن يفسر ذلك إلا بجس النبض، وكسب الوقت ومراقبة الوضع عن كثب، ليكون التدخل الحاسم وفق طبخة ووصفة يجري إعدادها في دهاليز البيت الأبيض، الذي كشفت وثائق ويكيليكس، كيف يمكر وكيف يكيد، وكشفت حجما خطيرا وسقفا مروعا للعمالة والخيانة من هذه الأنظمة الحاكمة وجيوشها ومخابراتها.
إن الجيش في تونس كما في مصر، لم يقف موقفا محايدا أبدا، بل هو يتصرف بما يملى عليه، فلو اقتضى الأمر إبادة الشعب عن بكرة أبيه، لن يتوانى، وقد صرح لواء سابق في المخابرات الحربية، لقناة الجزيرة، أن ليس لمبارك أي مانع في إحراق البلاد بكاملها. ولن نغتر بإدانة أمريكا وغيرها، لأنهم يصرحون بشيء، ويتواصون سرا فيما بينهم بعكس ذلك. وأعتقد أن الجيش يتصرف وفق السيناريو التالي:
مراقبة ميزان القوة على الأرض
إن كان لصالح النظام، حسم الموقف لصالحه، وأخمد الانتفاضة.
إن كان لصالح الشعب، ففي هذه الحالة احتمالين
احتمال أن تفرز الأوضاع نظاما مقبولا غربيا، في هذه الحالة يستمر الجيش على حياده
احتمال أن تفرز الأوضاع نظاما مناوئا للغرب، في هذه الحالة يتدخل الجيش بقوة، إما لتثبيت النظام القائم، أو للمجيء بنظام آخر لتخفيف الاحتقان وتضليل الشعب.
وهذا ما تقوم به هاته الجيوش التي هي جزء من هاته الأنظمة، التي يشكل فيها الرئيس الجزء الظاهر من جبل الجليد.
وفي القرآن الكريم يتحدث الله عز وجل، عن فرعون وجنوده، في محطات عدة، ولا يفرق بين فرعون ووزرائه وجنوده في الحكم عليهم بالبغي والظلم، حتى كانت الخاتمة كما يعلم الجميع، هلاك فرعون وجنوده، وكذلك الأمر بالنسبة لجالوت وجنوده.
لذلك فإن ما نراه مؤامرات لخطف هذه الانتفاضات، لا يمكن التفاؤل ولا الاطمئنان لها، فهي لا يمكن أن تكون في صالح هذه الشعوب وفق ما جاءت به شريعتهم، وستسقط الثمرة مجددا في يد العلمانيين هذا مما لا شك فيه، خاصة وأن من يقود هاته الانتفاضات، شباب غير مسيس أو مؤدلج أو متدين، وطموحاته لا تتعدى تأمين رغيف الخبز وهامش من الحرية، وليس في برنامجه نهضة الأمة وتوحيدها والتخلص من هيمنة الغرب وتحرير فلسطين وتحكيم الشريعة وبناء أمة عظيمة متقدمة ورائدة، إذ أن هذه الأهداف تقتضي ثورة جذرية وشاملة، على منظومة الحكم برمتها، من أكبر رأس إلى أصغر ذيل، بجيشها وأمنها وإعلامها ومؤسساتها.
والتاريخ يحفظ لنا نماذج من ثورات من هذا النوع.
فالرسول صلى الله عليه وسلم، لم يحقق النصر النهائي، بتغيير جزئي، بل بتغيير جذري شامل لكل منظومة الشرك.
وموسى عليه السلام لم تنتصر دعوته، ويتخلص شعب بني إسرائيل من الظلم والاضطهاد، إلا بهلاك فرعون وجنوده.
وأنجى الله تعالى صالحا والذين معه، بهلاك جنود ثمود عن بكرة أبيهم.
وفي قصة أصحاب الأخدود، يذكر القرآن مشاهد من ثباتهم واستشهادهم في سبيل عقيدتهم، موجها الخطاب لمؤمني مكة، ثم يختم بالتذكير بمصير جنود فرعون وثمود. قائلا : هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود. البروج: 17
وداود عليه السلام لم يجتمع له الملك والنبوة، إلا بعد هزيمة جالوت وجنوده. قال تعالى: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ. البقرة:250-251
وكذلك الأمر بالنسبة للثورات الأوربية، لعل أشهرها الثورة الفرنسية، عام 1789م. التي قامت لاجتثاث منظومة حكم بكاملها من جذورها.
لكن يبقى الجانب الإيجابي في هاته الانتفاضات، هو الفرح والشماتة، في زبانية هذه الأنظمة العفنة العميلة، ورفع قليل من الظلم عن هاته الشعوب المضطهدة. وتحقيق هامش للحرية للجماعات الإسلامية، إن أحسنت التعامل مع الأوضاع، بل تحقيق مكتسبات إن راجعت نفسها، وأساليب عملها. وستكون الأنظمة البديلة في كل من تونس ومصر أقل ضررا وأقل عمالة، حتى لو وافقت عليها أمريكا وإسرائيل

عندما يتلفع التجديد الجذري بالرداء الطائفي

عندما يتلفع التجديد الجذري بالرداء الطائفي

يكاد المتتبع لحوارات إدريس هاني وخرجاته الإعلامية، أن يصاب بالدوار، لطريقته الزئبقية في طرح أفكاره. ويبلغ الدوار ذروته، للهالة التي يضفيها على نفسه حين يلبسها جبة المفكر صاحب المشروع الحضاري والتجديد الجذري، وغيرها من الألقاب والمفاهيم والمصطلحات الفارغة، التي أصبحت سوقها رائجة.
حجة الإسلام كما يصفه البعض، لا يختلف عن ملالي الشيعة في صبغ مواقفه وتصريحاته الحربائية، بلون الزمان والمكان، فيقول في مقاله في مجلة وجهة نظر عدد39 : " وكل ما هنالك تصريحات ولقاءات كنت مضطرا للإجابة عنها على مقاس السائل وبلغة قل ما أدت المطلوب كما هو ". فهو يعترف أن لكل سائل جوابه بلغة تقطر تقية، الهدف منها كسب مزيد من الوقت، وإيقاع مزيد من الضحايا. ولقد رجعت لعدد من الحوارات التي أجراها إدريس هاني على مدى سبع سنوات الأخيرة، فوجدته فعلا يقرأ الأحداث والأوضاع بمكر ودهاء، ويضع تصريحاته وأجوبته في السياق المناسب، مراعيا حالة التعاطف مع الشيعة ليقدم، أو التموقف منهم ليحجم، مستخدما مرة الخطاب الحسيني الكربلائي، ومتسترا تارة بالتقية السبئية.
إدريس هاني شيعي اثنا عشري العقيدة والمذهب
في حوار مع الصحفي الإيراني حميد حلمي زادة لصالح شبكة النبأ المعلوماتية ضمن ملف عاشوراء لسنة 1427، اعتبر إدريس هاني اللطم والتطبير ( ضرب الذات بأدوات حادة ) من باب الحرية في التعبير عن الحزن، ودافع عن ولاية الفقيه، وحين سئل عن من أحق بالخلافة من الصحابة، رفض حتى مجرد طرح السؤال وتصور الفكرة، واستطرد أن علي رضي الله عنه أكبر من أن يوضع في هذه المقارنة.
وفي حوار مع موقع الإسلام اليوم، بتاريخ 20 أكتوبر 2007، أكد أن سب الصحابة هو موقف الشيعة من بعض الصحابة وليس كلهم، مستغربا عدم إثارة سب أعلام الشيعة من طرف أهل السنة، كما أكد وجود مصحف فاطمة، واستدرك أنه ليس بديلا عن المصحف الموجود، واعتبر الاكتفاء ببعض الأدعية والتسابيح عوض سورة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية والثلاثية، مجرد خلاف في الفروع كمسألة تحريك السبابة في التشهد والقبض في الصلاة.
وفي حواره مع جريدة الصباحية عدد 489 قال أنه يعطي دروسا في عقائد الشيعة لأبناء الشيعة أنفسهم، وأنه غير مقلد في العقائد بل مجتهد. وفي موضوعه في مجلة وجهة نظر عدد 39، حاول جاهدا في تعريفه للتشيع أن ينفي كل الخرافات والأباطيل والاتهامات عن الاثنا عشرية وإلصاقها ببعض الفرق الشيعية المنقرضة، معتبرا أن الإثنا عشرية هي الفرقة الكبرى الغالبة المالكة لوسائل الإقناع السنية، وأنها الأقرب لأهل السنة بل هي السنة. ( وهو أمر أعجب من العجب نفسه).
إدريس هاني إيراني القدوة فارسي الهوى
" أنا أحترم إيران وأنا العربي منتصب القامة أمشي" العبارة لإدريس هاني في مقاله بوجهة نظر عدد 39، وصاحبنا لا يدع فرصة تمر دون الإشادة بالجمهورية الإيرانية ونظام ولاية الفقيه، وما يتيحه من حريات وتعدد وحق في الاختلاف، لذلك فنصيحته في نفس المقال للعرب أن يبنوا علاقات متينة مع الإيرانيين، رابطا مصيرهم بمصيرها، متسائلا : ماذا سيكون مصير العرب إن هم لم يبنوا علاقات شراكة واحترام مع إيران؟.
انبهار الرجل بإيران جعله يضعها في مقارنة مجحفة مع طالبان، لتلميع صورة الدولة الشيعية، وتشويه النموذج السني، فنجده يقول أن إيران تتعامل بمنطق الدولة وبرودتها، في حين أن المشروع الطالباني مفتوح على شقوة أحلام المارقين. وحتى عندما أراد الحديث عن جواز صلاة غير العربي بلغته، لم يجد ما يمثل به من بين كل لغات العالم إلا الفارسية، فقال أنه يجوز للشيعي أن يصلي بآية واحدة فيقول " دوبليك سبيز " ومعناها  مدهامتان ، ولم يكن الحوار مع موقع فارسي بل مع موقعي عربي سني هو موقع الإسلام اليوم في أكتوبر 2007.
إدريس هاني ملبس مضلل مميع المنهج
يتسع كيس صاحب مشروع التبني الحضاري والتجديد الجذري، للجمع بين التشيع والليبرالية والديمقراطية والحداثة، وخرافة ولاية الفقيه، ومصطلحات اللمز والطعن في تراث أهل السنة ورموزهم من جهة، والدعوة إلى التقارب معهم بعد التبرؤ من ماضيهم وتراثهم من جهة أخرى، خليط غريب عجيب لمنهج أغرب وأعجب. ففي حوار له مع شبكة النبأ بتاريخ 1427. دافع عن حرية التعبير بل حرية الكفر والإلحاد، وانتقد محاكمة نصر حامد أبو زيد، ونجيب محفوظ. وأشاد بمواقف إيران من العلمانيين والملحدين والحداثيين أمثال عبد الكريم سروش وغيره. وتغافل عن مواقفها من علماء أهل السنة.
إن الإشادة الماكرة من إدريس هاني بنصر حامد أبو زيد وأمثاله، إنما هي لأجل وقاحتهم في التهجم على السنة المطهرة والتشكيك في الروايات الحديثية والتاريخية. ( وقد اتضح أن ادريس هاني صديق حميم لنصر حامد أبو زيد وعدد من الحاقدين من مستشرقين وغيرهم، من خلال الصور التي أرفقها مع موضوعه في نعي نصر حامد الذي عنونه ب " وداعا يا صديقي " ونشرته الهيسبريس).
نفس التقدير يكنه إدريس هاني لكل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، حيث يعتبر ما تسير فيه الحركات الإسلامية، نكوصا عما أسسه هذان المصلحان، كما في الحوار الذي أجراه معه منتصر حمادة ومحمد خوادر بجريدة القدس العربي بتاريخ 16/07/2003، وكرر نفس الكلام على موقع العلم والدين في الإسلام.
وفي الوقت الذي نجد فيه إدريس هاني يسعى للترويج لما يسميهم بدعاة الإصلاح والتجديد والمراجعات، وهم المشككون في السنة، نجده لا يدخر جهدا للتشكيك في علماء السنة ورموز الحركات الإسلامية والطعن فيهم بدءا من ابن تيمية ورشيد رضا والألباني وانتهاء بالمودودي وسيد قطب وغيرهم رحمهم الله جميعا. داعيا في الوقت نفسه إلى التقارب ومتهما الآخرين بالانغلاق، والتقريب هنا كما يريده ( السي دريس) هو الابتلاع، أو جعل الآخر يحترم الطعن ويقبل التشكيك الموجه لعقيدته بكل رحابة صدر حتى لا يكون منغلقا.
موقف إدريس هاني من الجماعات الإسلامية
لن أتعرض لموقفه من الجماعات السلفية ونعتها بالسلفوية والجهل والأرثوذكسية والانغلاق والتكفير وغيرها من عبارات السب والشتم، وهو أمر مفهوم ومعلوم، للعداء التاريخي بين المدرستين.
ولكن سأتوقف عند مواقفه من بعض الجماعات التربوية والدعوية والسياسية، كما في كتابه الإسلام والحداثة إحراجات العصر وضرورات تجديد الخطاب ( نشر دار الهادي ). حيث مارس أستاذيته على هاته الجماعات وأعطاها دروسا في النقد الذاتي والمراجعة حتى تكون مرضيا عنها عند الملالي، وتكون في مستوى الابتلاع، عفوا التقارب. موقف إدريس هاني من الجماعات الإسلامية، هو امتداد لموقفه من أهل السنة. فكما يطلق شيوخه ومراجعه على أهل السنة، اسم النواصب، يدعي هذا الباحث المتجرد والداعية المعتدل، أنه ليس في قنافذ الجماعات الإسلامية أملس، لأن مرجعيتها وبنيتها الفكرية مشتركة، وهي امتداد لخطاب الخوارج، وطبعا المرجعية والبنية الفكرية المشتركة هي تراث أهل السنة من عقيدة وفقه وعلوم القرآن وعلوم الحديث وسياسة شرعية وفكر إسلامي، وغيره.
يقول في حوار نشر في العدد الاستثنائي رقم 40 من سلسلة منشورات الزمن، ص 164 و 165 : " إن ما يميز الخطاب الفكري لبعض الحركات الإسلامية التي تدعي التسامح والانفتاح وغيرها من الحركات العنيفة، لا يتجاوز مسألة الشعار، في حين تظل البنية قائمة، وكأنها بنية عنف نائمة ومحتملة، إذن نحن بصدد بنية فكرية مشتركة يلعب فيها الشرط الموضوعي دورا أساسيا في ظهور أو غياب ظاهرة العنف لدى الجماعات الإسلامية، وهذه البنية للأسف التي أصبحت كالسرطان داخل الجسم العقائدي لهذه الحركات لم تستطع القطع مع الخطاب الخوارجي ". وحين سئل عن تجليات هذا الخطاب الخوارجي في زمننا المعاصر، أجاب بقصة من نسج خياله مفادها أن أحد الشيوخ من دولة خليجية لم يحددها، لما أراد وصف ضربات 11 سبتمبر أنشد بيتا شعريا لعمران بن حطان رأس الخوارج يمدح به ابن ملجم قاتل علي رضي الله عنه فقال :
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ عند ذي العرش رضوانا
ليعمم هذه الحادثة إن سلمنا له بها، على الحركات الإسلامية، بل يختم جوابه بالقول حرفيا دون خوف ولا حياء أو وجل : " إنهم يحفظون قصائد الخوارج عن ظهر قلب " ؟؟؟؟؟؟؟ وهو يقصد الجماعات الإسلامية.
وفي مقال له بعنوان : سؤال النهضة ومأزق حركة الإصلاح العربي الإسلامي / جمال الدين الأفغاني متهما.
يتأسف إدريس هاني لما آل إليه مشروع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من انتكاسة ونكوص، وحمل مسؤولية تقويض مشروع محمد عبده، للشيخ رشيد رضا صاحب تفسير المنار، بعدما أسماه النهاية السلفوية لهذا الشيخ ؟؟؟
وقد نال سيد قطب حظه من الجلد في هذا المقال، حيث استهزأ من قوله أن المجتمع الإسلامي متحضر بطبعه لذلك فهو ليس في حاجة لإضافة هذه اللفظة له، كما في كتابه "نحو مجتمع إسلامي". وتعرض لكتاب "معالم في الطريق" منتقدا ما سماه القراءة العقائدية المغلقة للكتاب، واتهم سيد قطب بالسعي لإقامة دولة قطبية شبيهة بدولة طالبان التي يكن لها إدريس هاني حقدا خاصا على غرار شيعة العالم، واتهمه في موضع آخر أنه لا يحمل أي تصور عن الحاكم الشرعي، وشكل الحكومة والسلطة، وهو صادق إن كان يقصد بالحاكم الشرعي، الإمام المعصوم أو ولاية الفقيه، وإن كان يقصد بالحكومة الإسلامية تلك التي دعا لها الخميني وألف فيها كتابه، إن كان يقصد ذلك فلما لا يفصح عنه، وإلا فإن أغلب كتابات سيد قطب في الحاكمية، بل هذه هي تهمته التي من أجلها شنق .
وإن كان تحميل إدريس هاني مسؤولية ما أسماه تشددا وانغلاقا للجماعات العنيفة، وأرجع ذلك للتراث التكفيري لابن تيمية كما في حواره مع الشرق الأوسط، إن كان ذلك يتماشى مع خلفياته وعقيدته، فإن الغريب أن يمتد حقده الأعمى ليخيم على الجمعيات الخيرية الإسلامية والعمل الجمعوي لهذه الجماعات، فيقول في حوار مع مدير تحرير أقلام الغد عبد العزيز أبطال، بتاريخ 17 غشت 2006، : إن ما تقدمه هذه الجماعات الإسلامية من عمل خيري هو لقمة مغلفة بالأيديولوجية، وهي من باب " دس السم في الدسم " هكذا بوقاحة متصهينة.
وفي حوار مع الوقت البحرينية سنة 2006، انتقد الفيلسوف طه عبد الرحمان حين قال أن الفكر الغربي مؤامرة وأن جذوره صهيونية ، ووصف قوله هذا بالخرافة السياسية. بل حتى داعية التقريب الشيخ يوسف القرضاوي لما دعا الشيعة لوقف الدعوة لمذهبهم داخل المناطق السنية، اعتبر إدريس هاني ذلك سردية مكرورة في خطاب تعيس يدل على المغالطة التاريخية. ( مجلة وجهة نظر).
إدريس هاني كذاب أفاك متلون
كل عبارات الحقد والكراهية والتشكيك والهمز واللمز والنبز التي مرت معنا وغيرها الكثير، إلا أن إدريس هاني يستغفل القراء ويضحك عليهم. ولقد حاول إعطاء صورة مغايرة عن نفسه في حواره مع جريدة الصباحية عدد 489 بتاريخ 5 أبريل 2009، حيث حاول أن يبدو هادئا ضابطا لأعصابه لا ينجر إلى رد الإساءة بمثلها مترفعا عن السب والشتم، معتبرا نفسه أسمى من أن يسب أحدا، أو أن يسخر من معتقد أي أحد، مستعملا كل أساليب الالتواء والاختباء والإنكار والتنكر، وكل تقنيات التقية، لنفي ما نسب إليه وما ادعاه بلسانه، وسودته يمينه، متهما الآخرين بعدم فهم مراده مرة، وواصفا إياهم بالأغبياء والمغفلين و الكراهية والطائفية مرة أخرى ؟؟. ( رغم طائفيته التي تقطر من كل ذرة من جسده، وكل حرف من كتابته).
ويظهر كذبه ودجله كثيرا، حين يتحدث عن الشيعة والتشيع بالمغرب، ولقد ظل يتناول هذا الموضوع بدغمائية كبيرة، حتى أنك لا تكاد تخرج بفكرة عما يريد إيصاله هذا السنشيعي كما يحاول تصوير نفسه، فحينما سأله الصحفي عبد المجيد الفرجي، سؤالا واضحا ومباشرا، هل أنت سني أم شيعي ؟ ظل يتلون ويتلوى وكان من بين ما قاله العبارة الغامضة التالية : " طريقتي في الاعتقاد قد لا يفهمها هؤلاء، أعتقد أن التسنن أو التشيع حين يكون صفة دينية بحتة، لا أستطيع أن أنفي عن نفسي التسنن والتشيع معا. " ؟؟؟ جريدة الصباحية بتاريخ 5 أبريل 2009.
ولقد ظل إدريس هاني ينكر مرارا موضوع تشيع المغاربة، ثم عاد ليؤكده بل ويدافع عن وجود شيعة بالمغرب في حوار أجراه معه إدريس الكنبوري سنة 2006 لصالح مجلة المجلة. وفي موضوعه في مجلة وجهة نظر عدد 39، كان هذا ديدنه، حيث بدا غامضا بالنسبة لموضوع الشيعة في المغرب في بداية الأمر، ثم عاد ليتحدث عن تشيع علمي مقابل تشيع حركي، ثم ليتحدث عن تشيع شعبي ساق له من المضحكات لإثباته، كقوله أن المغرب شيعي الثقافة والتاريخ، وأنه حين يتسنن أكثر يتشيع حتما، وظل يدندن حول عبارة : كيف يتم تشييع ما هو شيعي في الأصل، ويكررها، واستدل على هذا التشيع التاريخي، بحب المغاربة لأهل البيت وإطلاقهم " حزام لا لة فاطمة الزهراء " على قوس قزح، وقولهم " قربالة " في إشارة لكربلاء، واحتفالهم ب " شعايلة "، وقولهم " الغايب حجته معه "، وقولهم لمن لم يكمل كسرة خبزه، " أكمل شهادتك ". معتبرا العبارة الأولى تشير إلى الإمام الغائب، وتشير الثانية، إلى أن إكمال الشهادة لا يتم إلا بولاية علي. وغيرها من التخاريف والأحاجي التي استطاع عقل هذا المفكر العبقري، جعلها أدلة ساطعة وحجج قاطعة على تشيع المغاربة بالتاريخ والثقافة والفطرة.
ولست أدري ما سيكون رده على من سيعتبر المغاربة مجوس عبدة للنار، بدليل احتفالهم ب " شعايلة "، وما رده لو أن مسيحيا اعتبر حب المغاربة لعيسى عليه السلام والتسمي باسمه دليلا على مسيحيتهم، وكذلك لو ادعى يهيوديا نفس الادعاء.
وهذه بعض الكذبات الخفيفة على شكل نقط سريعة جادت بها قريحة حجة الإسلام، أسوقها للتسلية. (وإن أراد فتح نقاش بخصوصها لإثباتها، فلنا من الأدلة ما يفند مزاعمه، بل كذبه وتدليسه)
*ولذا فالشيعة وحدهم لم يبتلوا بمرض تكفير المسلمين
*الشيعة يعتقدون بمثل ما يعتقد به السنة
*الشيعة يتفوقون على غيرهم في الأعمال
*حي على خير العمل مقطع من الآذان الشرعي السني تم التخلي عنه بلا دليل
*أستطيع أن أبرهن على كل فكرة أو حكم أو أصل شيعي بمدارك سنية
*التشيع الإثنا عشري يؤسس لأصوله وفروعه على القرآن والسنة، ولا يوجد لديه أصل أو فرع لا يثبت بنص.
*حينما يدخل الغربيون الإسلام يدخلونه عن طريق الإسلام الشيعي.
وفي الختام لاحظت في عدد من حوارات وكتابات إدريس هاني، نبرة استعداء وتحريض تجاه المخالفين، يفعل ذلك وهو في بلد سني، ولو كان في بلد شيعي، لدعا ربما لتشكيل ميلشيات لتصفية مخالفيه، وهو أمر ليس بمستبعد على من هذا فكره وعقيدته، يشهد بذلك الماضي والحاضر.
لكننا لن نسلك مسلكه في التحريض، ولست ممن يحرض سوط السلطة ضد المخالف، أو يفرح لذلك، بل أمقته. ولكن أدعوا لمواجهة هذا الأفاك مواجهة فكرية علمية، لدحض شبهه، وإخراس لسانه، وكسر يراعه. ينتدب لهذه المهمة علماء عاملون متمكنون ضابطون، كما أقترح إجراء مناظرات مع أصحاب الأفكار الهدامة من منكري السنة وغيرهم، وهي فرصة لنتأكد من أننا نمتلك مثل هذا الصنف من العلماء، لينال شرف الحفاظ على عقيدتنا وديننا ومذهبنا وهويتنا، ورد كيد ومؤامرات خصومنا، ودحض شبههم، أم هي ألقاب مملكة في غير موضعها. وتتكلف وسائل إعلامنا المرئية بالنقل المباشر لهذه النقاشات وهذه المناظرات، لتعم الفائدة، ويفضح الأدعياء على رؤوس الأشهاد، عوض مسخ هوية وعقيدة مسلمي هذا البلد، وتحويل مقرات التلفزة إلى كباريهات وعلب ليلية، تنشر العهر والعري والفساد.

الاثنين، 23 أبريل 2012

ويستمر مسلسل الإفساد*

ويستمر مسلسل الإفساد*
قبل حوالي ثماني سنوات التقيت المخرج السينمائي مصطفى الدرقاوي، في إحدى التظاهرات السينمائية، فاستفسرته عن مظاهر العري والخلاعة التي يملأ بها أفلامه، وما هي الرسالة التي يريد إيصالها، فأجابني دون أن يرف له جفن، أو تحمر له وجنة، أنه يصور الواقع، مضيفا أن هذه الأمور موجودة في واقعنا و يجب أن لا نخفيها أو نخجل منها، فكان الصمت من جانبي هو الرد الأمثل على مثل هذه الصفاقة وقلة الحياء، ثم حضرت حفل تكريمه، واستغربت لتدخلات و شهادات أمثاله فيه، وكان من المشيدين به، الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي، صاحب كتاب المغرب السينمائي معطيات وتساؤلات.
بعد حفلة النفاق والكذب تلك توجهت صوب أحمد سيجلماسي، واستفسرته عن كل عبارات الإطراء التي كالها للفلم ومخرجه، واستغربت انقلاب كل تلك العبارات، إلى ضدها، فقد أسر لي الناقد، أن هذا النفاق يقتضيه البروتكول وتقتضيه المصالح المتبادلة والعلاقات القائمة، وأضاف أن الفلم دون المستوى، وبدون أي رسالة أو مغزى، وأن هدفه الربح عبر إثارة الغرائز، بكل صور الخلاعة والمجون وقلة الحياء، وختم بقوله أن الفلم ليس له أي قيمة ولا يساوي فلسا؟؟؟؟؟؟.
لست أدري إن كان المطبلون لفلمي نور الدين الخمري، وعزيز السالمي الأخيرين، مقتنعون في قرارة أنفسهم بما يكيلون من مديح لهاته الأفلام الداعرة، أم أنها تعبئة تقتضيها المصلحة والعلاقات، وتصب أيضا في مشروع الإفساد الذي يقوده هؤلاء القوادون .
عندما أثيرت هذه الضجة حول هاته الأفلام الداعرة، راودتني فكرة رؤيتها، للوقوف على خباياها وخفاياها وما قد يغيب عن الكثيرين، لأن القراءة تختلف باختلاف الشخص ( مستواه، بيئته، خلفيته، أيديولوجيته ).
لكن مروري صدفة بجانب إحدى دور الدعارة، ) عفوا دور السينما( غير فكرتي تماما، ولخص لي الفكرة التي يدور حولها الفلم، ومستوى الوقاحة والعهر الذي وصله، كل ذلك ملخص على لوحة كبيرة، لممثل مخنث وممثلة عاهرة، يتبادلان قبلة فرنسية. لوحة إشهارية مساحتها حوالي ثلاثة أمتار مربعة، معروضة في الشارع العام لبلد مسلم مالكي المذهب.
كانت هذه اللقطة معبرة فعلا عن هدف ومغزى وملخص الفلم. فقررت الاكتفاء بمتابعة التعليقات وردود الأفعال على صفحات الجرائد، والشبكة العنكبوتية.
لقد وصلت الدرجة ببعض علمانيي هذا البلد المالكي أن يصفوا الفلم بأنه أحسن فلم مغربي، تقليدا لأسيادهم الفرنسيين الذين أحاطوا الفلم بهالة من الأهمية وخصصوا له المقالات والتعليقات على جرائدهم في هذا البلد الاستعماري، لست أفهم هذا التواطؤ مع هؤلاء المفسدين، وهذا الصمت المريب من كل المسؤولين في هذا البلد المالكي، فلا الشريعة تطبق ولا المشاعر تحترم، و لا الأخلاق لها قيمة، ولا حتى القانون الذي يجرم هذه الأفعال يأخذ مجراه.
ووالله إن المرء ليقف حيرانا أمام هذه العملية الممنهجة المدروسة لإفساد الطبائع والأخلاق، ومسخ الهوية ومحاربة العقيدة.
وإلا فليخبرنا أي واحد عن كل تلك الأطنان من الخمور التي تباع في الأسواق الممتازة، وليخبرنا أيضا عن رجال الشرطة الذين يقفون بالباب لتأمين الداخلين والخارجين لسوق الخمر.
ليخبرنا عن كل تلك المهرجانات الداعرة والماجنة، والملايير التي تصرف عليها.
ليخبرنا عن موجة العري التي اجتاحت البلاد، وموجة الأفلام المدبلجة الرديئة والساقطة.
إن عملية الإفساد هذه يشترك فيها أولائك المخرجون الجشعون الجهال، والعلمانيون الخبثاء العملاء، وأصحاب المصالح والعلاقات المشتركة والمجاملة والمصانعة، والساكتون المتفرجون.
* كتبت هذا الموضوع منذ سنة ونصف، تزامنا مع عرض فلم حجاب الحب، ولم يتيسر نشره، وحيث إن حملة الفساد والإفساد لا تزال مستمرة، فأعتقد أن الموضوع لا زال صالحا للنشر، لاستمرار دواعي كتابته و لما فيه من معلومات ومعطيات.

الاتفاقيات الدولية والسيادة الوطنية بين الأمس واليوم

خواطر حول الدستور المرتقب

الاتفاقيات الدولية والسيادة الوطنية بين الأمس واليوم

بما أن باب النقاش مفتوح على مصراعيه حول المراجعة الدستورية، أغتنم الفرصة – رغم أني لست من أهل الشأن – لأدلي بدلوي، كمواطن بسيط همه السعي للعيش في بلده بعزة وكرامة. ولتكن الإملاءات والاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية، إحدى نقاط هذا النقاش.
الاتفاقيات الدولية، كانت ولا تزال، قميص عثمان الذي ترفعه طائفة من العلمانيين والحداثيين، تارة بالدعوة لاحترامها والالتزام بها، وتارة بالدعوة لتكييف قوانين البلاد وملاءمتها معها، وفي كل وقت وحين تذكر هاته الطائفة بسمو هذه الاتفاقيات والقوانين وأولويتها، على كل شيء، ابتداء بدين الشعب، وانتهاء بقوانين البلاد ودستورها ومصالحها وسيادتها. ولا تكل أو تمل هذه الطائفة في كل مناسبة من التذكير بأن المغرب وقع على هاته الاتفاقية أو تلك، ومن ثم فهو مطالب باحترام التزاماته. فلعب أصحاب هذه الدعوات، تارة دور لجان دعائية للقوانين الدولية، وتارة دور لجان تسهر على مراقبة تطبيق تلك القوانين، دون اعتبار لمصالح البلاد وخصوصياتها.
لقد كانت الاتفاقات والقوانين الدولية، موضوع نقاش بين الإسلاميين والعلمانيين منذ مدة، على أعمدة الجرائد، وفي الندوات والمحاضرات، وها نحن نرى تتويج هذا النقاش والحوار بخصوصها، بالدعوة مباشرة للتنصيص على سموها، في الدستور المرتقب، من طرف بعض الأحزاب في مقترحاتها الأخيرة. مما يستدعي وقفة حازمة ضد هذه الدعوات، وكشف خطورتها. إن أي مراجعة دستورية لهذه القضية يجب أن تراعي مبدأين مهمين:
* السمو والسيادة والأولوية هي للشريعة الإسلامية، التي هي الضامن لمصلحة البلاد وسيادتها واستقرارها.
* ضرورة إجراء نقاش وطني بخصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومشاورة العلماء ومصادقة ممثلي الشعب، قبل أي اعتماد أو موافقة عليها.
إن مسألة مناقشة ممثلي الشعب، للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، ورفضهم لها، أو مصادقتهم عليها، ووضع الشروط الدقيقة للالتزام بها. مبدأ راسخ عند الدول التي تحترم نفسها وتصون سيادتها، والأمثلة على ذلك كثيرة من دول قوية في آسيا وأوربا وأمريكا. ولن أكلف نفسي عناء ضرب تلك الأمثلة، لأنها متكأ ومستند كل من تحدث في هذه النقطة، لكنني سأضرب مثالا من تاريخنا المغربي قبيل الحماية، حيث تم اعتماد المبدأين السابقين، لمواجهة مطالب فرنسا الملحة والمتكررة بتنفيذ التعهدات والتزام الاتفاقيات والإسراع في الإصلاحات، فأمام التكالب الدولي بزعامة فرنسا، كان الشعب المغربي الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات ومحاولات الإخضاع، كان هذا الشعب الأبي يمارس الرقابة على الدولة ويشارك في تقرير مصيره وتسيير شؤونه، ولقد فطن السلطان المولى عبد العزيز، لما يمكن أن يشكله رد مطالب القوى الدولية وضغوطاتها، للشعب المغربي ليفصل فيها ويقرر بشأنها، من قوة تفاوضية ومقايضة بل وتملص من تلك الإملاءات. فوجه نداء للشعب لتعيين نواب عنه، شكلوا مجلس الأعيان الذي انعقدت دورته الأولى عام 1906. وقد كان هذا المجلس مكونا من ممثلين عن كل مدينة من المدن المهمة، و24 عضوا من علماء وأعيان مدينة فاس، ويتشكل من عدة فرق كفريق العلماء وفريق الشرفاء وفريق التجار الكبار.
ولئن كان السلطان شكل هذا المجلس بقصد المشاورة في الأمور الخطيرة التي تمس المملكة، حيث جاء في منشور ملكي قوله: "...لتكون المشاورة فيه بين جميع أعيان الرعية، ونستبرئ بذلك لديننا ونخلص من شوائب التقصير الذي يتوهم في العمل والروية، وعليه فبوصول كتابنا هذا إليكم، نأمركم أن تعينوا من خياركم من تعتقدونهم في الأمانة والديانة، وترضونهم وكلاء عنكم في أقوالكم وأفعالكم، وتأتمنونهم على أنفسكم، وتوجهونهم لحضرتنا الشريفة بقصد المفاوضة في الأمور العارضة ". قلت رغم أن السلطان كان يسعى لحصر دور هذا المجلس في التشاور فقط، إلا أن قوة ممثليه وإحساسهم بالمسؤولية، والأوضاع الخطيرة التي كانت تمر بها البلاد، جعلتهم يتجاوزون هذا الدور ويتخطونه إلى اتخاذ القرارات، ورفض المطالب الدولية وإملاءاتها واتفاقياتها، بل بدأ المجلس يطالب بحضوره المفاوضات إلى جانب ممثلي المخزن، بل أكثر من ذلك، فقد تحفظ المخزن عن الإدلاء برأيه إزاء مقترحات قدمتها فرنسا في مفاوضات سنة 1905، عن طريق وزيرها "تايلانديير". وربط المخزن موقفه بما سيقرره مجلس الأعيان، الذي كان أعضاءه يناقشون البرنامج الفرنسي في فاس، وقد اعتبر الفرنسيون أن المخزن جعل من مجلس الأعيان أداة مقاومة وورقة ضغط كبيرة، وبالفعل فقد كان أعضاء المجلس يرفضون التدخلات والإملاءات الأجنبية، مؤكدين أن أي إصلاح أو تعاون ينبغي أن يكون بواسطة الدول العربية كمصر، أو الإسلامية كالخلافة العثمانية، وكان أعضاء المجلس يبدون آراءهم ومقترحاتهم للسلطان بكل حرية، مما جعل المفاوض المغربي، الذي يمثل فعلا الشعب المغربي ويتكلم بلسانه، يتحدث إلى الأجانب بقوة وعزة وثقة، توضحها مقتطفات من هذه الرسالة التي كتبها الوزير عبد الكريم بن سليمان، باسم السلطان ووجهها للحكومة الفرنسية رافضا مشروعها، حيث جاء فيها:
" لقد بلغت الحكومة المغربية سعادتكم أن الشعب المغربي وضع شرطا لقبول الإصلاح العسكري......
ولكن نتيجة المذاكرات مع سعادتكم، عرضت على مجلس الأعيان المغربي، فصرح هؤلاء النواب بأنهم مصمموا العزم على عدم السماح باتخاذ.......
وقد صرح هؤلاء الأعيان بأن هذا المؤتمر يجب أن يهتم بمسألة الطريقة التي يجب أن يدشن بها هذا الإصلاح، وينبغي أن يتخذ قرار بالإجماع في هذه المسألة، وأن يلتزم الموقعون باحترام ما قرروه وعدم خرقه بأي حال من الأحوال
وجلالة السلطان لا يسعه إلا اتباع ما قرره المجلس ولا يمكن أبدا أن يعمل ضدا على إرادة شعبه، لا سيما فيما يخص قضية الشعب المغربي قطعا الحق في أن يعبر فيها عن رأيه ".
لقد جعلت المواقف والقرارات الصارمة والحاسمة، لمجلس الأعيان، كرفضه التام مثلا لمؤتمر الجزيرة الخضراء. القوى الدولية وعلى رأسها فرنسا، تضيق ذرعا بهذا المجلس وتنتقد تبني المخزن لقراراته، وقد عبرت عدة جرائد فرنسية عن تأففها وتذمرها من مجلس الأعيان وقراراته. رغم ادعائها الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
كان هذا بعجالة مثال واضح، لإشراك الشعب المغربي عن طريق ممثليه في مناقشة الإملاءات والاتفاقيات الدولية، وكذلك اشتراط الشروط لقبولها، بحيث لا تتعارض لا مع ديننا الإسلامي، ولا مع مصالحنا وسيادتنا الوطنية، وقد دفعني لاعتماد هذا المثال المغربي القح والأصيل، إغفاله من طرف الخائضين في هذا النقاش، سواء المؤيدين لسمو الاتفاقيات الدولية أو المعارضين له، ومن الصنف الأخير قرأت مقالين لكل من الأستاذ مصطفى الخلفي بجريدة التجديد، ومقال للأستاذ عبد العالي حامي الدين بجريدة المساء، حيث أطنبا في ضرب الأمثلة من دساتير فرنسا وأمريكا، وتطرق غيرهما لمواقف ساسة إسبانيا وأمريكا والصين من المعاهدات الدولية المعارضة لمصالحهم، في حين أن في تاريخنا وثقافتنا وإرثنا من ذلك، ما هو سابق على ما تتبناه وتعتمده هذه الدول حاليا، بأزيد من قرن من الزمان.


أنا أشك في الرواية الرسمية إذن أنا موجود

الرواية غير الرسمية لأحداث سجن سلا

أنا أشك في الرواية الرسمية إذن أنا موجود
أن تشك في الرواية الرسمية للدولة، هذا يعني أن عملية غسيل الدماغ التي مورست عليك منذ الولادة، لم تؤت أكلها، أن تشك في الرواية الرسمية للدولة، يعني أنك تفكر يعني أنك موجود.
أحسست بوجودي منذ بدأت أشك برواية المسؤولين وتصريحاتهم وبرامجهم ووعودهم. المسؤولون في هذه البلاد، ليس لهم أي فضل علي سوى أنهم جعلوني أحس بكياني، باستقلالي، بحريتي، بوجودي، لقد كانت هذه الأحاسيس تتزايد عند كل إخلاف لوعد، أو نكث لعهد، أو رواية تكذبها الأيام، أو أسرار تكشفها الأعوام.
تعلمت من المسؤولين أن الحق والصدق هو عكس ما يقولون ونقيض ما به يصرحون، أعرف أني بكلامي هذا سأتهم بالمس بهيبة الدولة، لا يهم، أنا لا أكترث لهذه الهيبة الزائفة التي صنعت بالقمع والقهر، أنتم من أسقط هذه الهيبة منذ دستم كرامة هذا الشعب، وأنتم لا تكترثون لكرامتنا كلما أطللتم علينا من أبراجكم برواياتكم الكاذبة، وأحاديثكم الضعيفة الموضوعة.
ضحكتم علينا لسنوات، استنزفتمونا أرعبتمونا أرهبتمونا، أنكرتم شموسا من الحقائق ساطعة، وأثبتم حقولا من الأوهام شاسعة، وبين إنكار ما هو معلوم، وإثبات ما هو موهوم، ألفت آلاف السيناريوهات، ووزعت الأدوار جبرا لا اختيارا، وتكفلت وسائل إعلام تافهة بإتمام الباقي، عناوين وملفات وقضايا لا حد لها ولا آخر، عشنا معها في رعب وترقب. 16 ماي وما خلفته من آلاف المعتقلين عذب بعضهم حتى الموت، ضحى أبو ثابت، المهدي بوكيو، رشيد نيني، عبد الله نهاري، مس بالمقدسات، تهديد سلامة المواطنين، المس بهيبة الدولة، أنصار المهدي، الصراط المستقيم، خلية بلعيرج، وخلايا نائمة وأخرى مستيقظة وثالثة مستلقية على ظهرها، وخليط من التهم والملفات والأحداث والروايات، المضحكة والمبكية والمقرفة، كان آخرها ما حدث بسجن سلا من مواجهات بين المعتقلين وقوات الأمن.
لما علمت من وسائل الإعلام بما يقع من أحداث بسجن سلا، انتقلت لعين المكان واستطلعت آراء الناس في الشارع ممن كان حاضرا وشاهدا على ما يقع، ثم تواصلت مع بعض عائلات السجناء وبعض الشخصيات الحقوقية والسياسية، واستعنت بما سربه السجناء من بيانات منشورة، وبما جاء في الندوة الصحفية التي عقدها معتقلون إسلاميون سابقون، فخرجت بهذه الرؤية المتكاملة للأحداث، وأحببت أن أضعها بين يدي القراء، خدمة للحقيقة، رغم ما في الأمر من مغامرة ومخاطرة، قد تصنفك في زمن الملفات الجاهزة، ضمن خلية من الخلايا، أو كداعم للإرهاب، لكن إيمانا مني بعدالة قضية السجناء ومظلوميتهم، ورفعا مني لشيء من الظلم والتشويه الذي لحقهم، بعد أن تخلى عنهم القريب والبعيد، من علماء اختاروا الحديث عن جماع الجثث أو دماء الحيض، وصحفيين انحازوا للرواية الرسمية وصوروا السجناء كهمج قتلة، وغيرهم من المطبلين والمزمرين.
لست أدري كيف لاتحرك كل تلك الصرخات والاستغاثات والتوسلات، من سجناء ذاقوا الأمرين، قلوبا رحيمة، لست أدري كيف لا تحيي دموع أولئك النسوة، النخوة والشهامة والرجولة التي ماتت فينا من زمان. لست أدري كيف لا تحرك صرخة تلك الأخت الإيطالية جيسيكا مريم، الغيرة على الإسلام، في قلوب من يتكلمون باسم الإسلام، وهي التي تركت دينها لتعتنق دين الرحمة والتآزر والحرية والعزة والعبودية والخضوع لله وحده، حين قالت وهي تصرخ، أمام السجن، هل هذا هو الإسلام؟ سأجيبك أختي، الإسلام الذي يعرضوه عليك في وسائل إعلامهم رواية رسمية فلا تصدقيها، أقول لك حاشا أن يكون ما تعرضت له من اعتداء أنت وأخواتك من الإسلام، ولا أن يكون من فعله بك، منا أو يمثلونا، أو أن يكون في قلبه ذرة من إيمان أو شهامة أو رجولة. الحرية ستعود بك وبأمثالك، والإسلام سيعود بك وبأمثالك، ولن يعود بمن ألف التملق والذل والعبودية، لا تنتظري أختي نصرة من علماء رسميين لا يستطيع الواحد منهم أن يبدي رأيه في مقابلة كرة قدم، ولا تنتظري نصرة ممن ألف موسوعة في أغرب الفتاوي، ولا ممن اتخذ الدين مطية لأغراض انتخابية، ولا ممن ينتظر موجة شبابية ليتسلقها، ولا ممن ظهر له بعد طول أمد أنه كان على خطأ، فاعتذر عن ماضيه لكنه لم يعتذر لآلاف الشباب ممن ورطهم، لا تنتظري نصرة ممن يحرم الأمر وبعد عقد أو عقدين يحلله، فحرم الانتخابات والتصويت ثم أصبح داعيا لها محرضا عليها.
لقد انتظرت هذه المدة لأرى هل سينتصر حر أبي لؤلئك المظلومين وذويهم، فلم أر إلا تحريضا عليهم لم ينقطع، من وسائل إعلام لا يعرف أصحابها إلا الحقد والبغض والتحريض، ولم أر من الدولة التي عودتنا أن تسمع منا بآذان مغلقة، وألا تتكلم معنا إلا بنصف لسان، وترى واقعنا بعين واحدة، وتكيل قضايانا بمكاييل متعددة، لم نر منها إلا تماديا في الكذب والظلم.
خاض المعتقلون في إطار ما يسمى السلفية الجهادية، محطات نضالية للتعريف بقضيتهم والمطالبة بحقوقهم وإطلاق سراحهم وكشف الحقيقة للشعب المغربي، واستمر نضالهم لسنوات، تلقوا فيها الوعود تلو الوعود، دون جدوى، ومع أولى مسيرات حركة 20 فبراير، أعلن السجناء تأييدهم لها في بيان بتاريخ 21 فبراير، لينخرطوا بعدها في أشكال نضالية غير مسبوقة، ابتدأت يوم الجمعة 25 فبراير، بصعود المعتقل محمد حاجب سور حي ميم 1 ، حاملا معه لافتة كتب عليها، متى سيرحل قانون الإرهاب الإرهابي، ثم التحق به عدد من المعتقلين مهددين بإلقاء أنفسهم في حالة أي تدخل أمني، ثم اعتصم حوالي 300 معتقل بساحة السجن، مطالبين بحضور وزير العدل أو مستشار الملك، ومع انتشار الخبر وسط أهالي المعتقلين، التحق الأهالي رفقة ممثلين عن الجمعيات والمنظمات الحقوقية للاعتصام أمام بوابة السجن دعما للمعتقلين. بعد صلاة العشاء حضر مندوب إدارة السجون حفيظ بنهاشم للتفاوض مع المعتصمين حيث طالبهم بفك الاعتصام السلمي، فقوبل طلبه بالرفض وتشبث المعتقلون بحضور الوزير أو مستشار الملك، واستمر اعتصام السجناء وكذلك الأهالي خارج السجن طيلة ليلة السبت 26 فبراير، صبيحة السبت لجأت إدارة السجن إلى قطع الطعام والماء والكهرباء، عن الحيين ميم 1 و 2، بل وصلت للمعتقلين معلومات بتواجد قوات خاصة وانتشار قناصة في مواقع معينة، استعدادا لقنص المعتصمين سلميا.
مساء السبت شرع رجال المطافئ والقوات الأمنية، في تضييق الخناق على المعتصمين مما جعل بعضهم يهدد بإلقاء نفسه من فوق السور، وبعد أربع ساعات تم إبلاغ المعتصمين بحلول لجنة خاصة يرأسها الكاتب العام لوزارة العدل، وبعد مفاوضات ماراطونية، فض السجناء اعتصامهم السلمي والتحق جميع المعتقلين بزنازينهم بهدوء ومسؤولية.
صبيحة الأحد وعلى الساعة 11، أجريت جلسة للتأكيد على مطالب المعتقلين وتوثيقها بحضور الأستاذ محمد حقيقي عن منتدى الكرامة كشاهد وموثق، وتعهدت اللجنة المنتدبة من وزارة العدل، برفع المطالب للوزير وباقي السلطات العليا، والعمل على تفعيلها في أقرب الآجال، فأصدر المعتقلون بيانا بكل التفاصيل يوم 28 فبراير. وفي ظل الأجواء المكهربة والمحتقنة التي تعيشها البلاد، اختارت السلطات أسلوب التهدئة والمراقبة عن بعد، في تعاملها مع الاحتجاجات، فكان نصيب المعتقلين من هذا التعامل أجواء من الانفراج والحرية ووعود بالإفراج، حيث استغل المعتقلون أجواء الحرية داخل الزنازن التي أصبحوا ينعمون بها بعد المفاوضات، ليتواصلوا مع العالم لشرح قضيتهم وإيصال صوتهم، فعرفت تلك الفترة تسريب مجموعة من الفيديوات التي تفضح ممارسات التعذيب الوحشي الذي مورس عليهم، وفضح العديد من الملفات كملف معتقل تمارة، وقضية بوشتى الشارف والدكتورة ضحى أبو ثابت والأسرار التي كشفها عبد الرحيم طارق، وأساليب التعذيب التي صورها بطريقة احترافية حمو الحساني، وغيرها من الفيديوات التي لم يجد المشككون إلا أن يصفوها بالمؤامرة والكذب، وغيرها من التهم الغبية، التي تدل على إفلاس أصحابها ومستواهم المنحط.
لقد نتج عن تلك المعلومات المسربة، تعاطف شعبي واسع قررت معه حركة 20 فبراير، تنظيم رحلة لكشف هذا المعتقل الذي تمارس فيه جرائم التعذيب على أبناء الشعب المغربي، بل على مواطنين من جنسيات أخرى، كما شكلت تلك الفيديوات المسربة، مصدر إزعاج وإحراج للدولة، جعلها تتراجع عن أسلوب جس النبض والمراقبة عن بعد، فقررت بعد أن تراجعت عن عهودها ومواثيقها مع السجناء، ( ونقض العهود سنة جارية اسألوا عنها مجموعات المعطلين من مجازين وأطر عليا ) انتهاج السياسة الوحيدة التي تتقنها، سياسة القمع والتعدي على الأبرياء والعزل، في هذه الأجواء جاء تفجير أركانة، فسارع السجناء لاستنكاره، ثم بدأت الدولة تتحين أول فرصة، لتنفيذ سياستها، فكان خروج حركة 20 فبراير يوم الأحد 15 ماي، لنزهة معتقل تمارة، إيذانا بهذا التحول، حيث قوبلت هذه الدعوة بقمع همجي، خلف اعتقالات وإصابات خطيرة في صفوف المواطنين. ثم رأت الدولة أن الوقت قد حان ليؤدي السجناء ثمن جرأتهم، فتم صبيحة الاثنين 16 ماي، اقتياد بوشتى الشارف لوجهة مجهولة، ثم توالت عمليات اختطاف بعض السجناء بمبررات شتى، ولما فطن السجناء لهذه المؤامرة، قرروا الصعود لسظح السجن، فتفاجأوا بصعود أعداد من رجال الأمن وحراس السجن، للحيلولة دون تمكن السجناء من الصعود، ثم اكتشف السجناء تواجد أعداد كبيرة من قوات التدخل السريع وقوات الأمن بباحة السجن، فعلم السجناء أن الأمر بيت بليل كما يقال، وأن تدخلا عنيفا بحقهم قد تم إعداده، لترهيبهم وترحيلهم، فقرروا الصعود للسطح بالقوة، مهددين بإلقاء أنفسهم إن حدث أي تدخل أمني بحقهم، وقد أحتجزوا عددا من الحراس فوق السطح ومنعوهم من النزول، لحين إرجاع السجناء الذين اختطفوا ذلك الصباح، أو الكشف عن مصيرهم، لكنهم أطلقوا سراح الحراس فيما بعد. وليس كما جاء في الرواية الرسمية أن القوات جاءت لتحرير الرهائن أو المخطوفين.
بعد سماع أهالي السجناء بالخبر تقاطروا على السجن واعتصموا مع عدد من المواطنين المتعاطفين وبعض الفعاليات الحقوقية والسياسية، أمام بوابة السجن، في هذه الأثناء بدأت قوات الأمن رشق المعتصمين بالحجارة، ثم بالقنابل المسيلة للدموع ثم بالرصاص وخراطيم المياه، فأصيب ما يزيد عن 130 سجين إصابات خطيرة، وتروج أخبار عن استشهاد اثنين أحدهما برصاصة غادرة جبانة، مباشرة في الصدر، وفاة لو حدثت في دولة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد، ولقدم المسؤول عن قتل الشعب لمحاكمة فورية.
أمام هذه الأوضاع غير المسبوقة في القمع، وجد السجناء أنفسهم مهددين بالتصفية، فقرروا الدفاع عن أنفسهم بالحجارة والعصي والقضبان الحديدية التي اقتلعوها من المرافق المتواجدة بالسطح، ودخلوا في مواجهة مع قوات الأمن، التي استدعت التعزيزات للقضاء على السجناء، واستمرت المواجهات إلى ما بعد فجر الثلاثاء 17 ماي، بعد تدخل المروحيات وبعض القوات الخاصة، وتهديد السجناء بإبادة جماعية بالرصاص، لينقل المعتقلون لوجهات مجهولة ومصير ينذر بما هو أخطر.

العلماء والدعاة بين إرضاء الحكام وإرضاء الجماهير


mijharpress 

العلماء والدعاة في عالمنا الإسلامي أنواع وأشكال، وكل منهم يتناول موضوعا أو قضية، حسب ما يتوافق ومنهجه ويتلاءم ومرجعيته، وقد يكون لشخصية أحدهم وتكوينه أثر فيما يطرح، وكل ذلك ليس عيبا أو قدحا، طالما أن قواعد الشخص منضبطة، ومطردة.
إلا أن أحداثا عدة تدفع ببعض هؤلاء الدعاة والعلماء لتبني مواقف، تبدو لكل متابع أنها مضطربة ومتناقضة، ومن تلك الأحداث ما وقع مؤخرا في تونس. حيث أبدى الدعاة والعلماء من شتى التوجهات والمدارس والمناهج، تفاعلا وتجاوبا مع انتفاضة الشعب التونسي التي طيرت الزعيم البوليسي العلماني من عرشه.

وقد كانت بعض تلك المواقف والتعليقات والتوجيهات منسجمة مع قناعات أصحابها، ودعواتهم السابقة، لم تؤثر فيها تلك الأحداث. ولكن دعاة وعلماء آخرين عبروا عن مواقف مغايرة لما يدعون إليه، فبدا منهم ذلك ركوبا للموجة وإرضاء للجمهور.

يوسف القرضاوي أحد أبرز الوجوه في التيار الإخواني، سبق له أن قام بزيارات لعدة دول مغاربية كالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، ولم يتردد في كيل المدائح لرؤسائها وشكرهم والثناء عليهم، ثم لما وقعت انتفاضة الشعب التونسي، قام الشيخ القرضاوي بتهنئة هذا الشعب بسقوط الطاغية، (هكذا) وطالب بإسقاط بقية أزلامه.

سلمان العودة أحد أبرز الوجوه في التيار السلفي الإصلاحي، زار تونس بدعوة رسمية من السلطات، أوائل سنة 2009، وكتب مقالا بعنوان "الإسلام والحركات". مضمونه أنه رأى في تونس غير ما سمع عنها، رأى حرية وإسلاما وحجابا، وخطابا سياسيا ذا بعد عربي إسلامي، وجزم أن ما يقال عن تونس مجرد إشاعات، بل ألقى قصيدة في مدح تونس، وبدا الشيخ وكأنه أحد أبواق ابن علي، لكن بعد فرار القائد، أصبح من الحكمة إرضاء الجماهير، فأشاد الشيخ العودة بإنجاز الشعب وأضاف أنّ الشعب ثار من أجل الفساد المالي والإداري، وطالب بلجان لمتابعة تنفيذ الإنجاز الجوهري الّذي تحقق، وألّا يكون الأمر مجرد تبديل أو صور، وإنما تحولاً إلى نظام جديد يحكم البلد بشفافية.

وقد زار الشيخ عائض القرني ليبيا، وأثنى على الوضع هناك، وزار الجزائر وأعلن دعمه لمشروع بوتفليقة التصالحي، وأكد أن الشعب ملتف حول رئيسه في هذا المشروع، ورغم أننا لا زلنا ننتظر تعليقه على أحداث تونس، إلا أن الأمر لن يختلف عما قاله رفيقه في التوجه والمنهج الشيخ سعد البريك، الذي بارك ثورة الشعب وخروجه على حاكمه، وهي فعلة كانت ستوصف على عهد الرئيس ابن علي بالجريمة والفساد والحماس وقلة الفهم والبغي والخروج والزندقة والبدعة والفتنة، من هؤلاء المشايخ.

الشيخ حماد القباج من طلبة العلم المغاربة، المنتمين لما يعرف بالسلفية التقليدية، كتب مقالا نشر على صفحات الهيسبريس بعنوان "جناية العلمانية على تونس" وصف فيه خروج الشعب التونسي بأنه مطالبة بعيش كريم وحكم رحيم، وحق مغتصب، ووصف النظام البائد بالفساد والعمالة للغرب، والمجاهرة بالعداء المبين للإسلام، ومحاربة الشريعة والسخرية من الدين والمقدسات والشعائر، والخلاصة حسب الشيخ حماد القباج أن لا هم لهذا النظام ولا وظيفة إلا محاربة شريعة الإسلام ومظاهره. وهي أوصاف لو قالها شخص آخر قبل سقوط ابن علي، لوصف بإحدى هاته الأوصاف: حركي حزبي أو يساري ثوري أو خارجي إرهابي.

إن المرجعية التي يستقي منها الشيخ القباج أفكاره ويبني مواقفه، لا تسعفه في تبني هذا الخطاب، إذ هي مرجعية تعتبر الحاكم واجب الطاعة، ويحرم الخروج عليه أو التحريض عليه أو التحذير من بعض أفعاله بل حتى نصحه، وتعتبر الكلام عن عيوب المسؤولين مما لا يجوز، ولا ترى دواء للاستبداد والظلم إلا الصبر.

إن مواقف هؤلاء الدعاة والمشايخ، يمكن اعتبارها مواقف شخصية وردود فعل منفلتة، لم تستطع معها قناعاتهم ومناهجهم وقواعدهم الصمود أمام صرخات النصر المنبعثة من حناجر الجماهير، ولا الثبات أمام أمواجها الكاسحة المتدفقة، وهي مواقف لا يمكن أن نقيس بها مناهجهم ومدارسهم أو نحاكمها بها، حيث أننا نجد أشخاصا من نفس التوجهات عبروا عن مواقف مناقضة، هذا دون الحديث عن مواقف ثابتة لعلماء ومشايخ قبل الأحداث وبعدها لم تتزحزح أو تتغير، نذكر منها على سبيل المثال موقف الداعية وجدي غنيم، الذي أيد وأشاد بانتفاضة الشعب التونسي، وعبر عن موقفه من زين العابدين الذي سماه شين الهالكين، وهو الموقف المعروف عنه قبل الأحداث، وفي مقال قديم له وصف الشيخ محمد بن موسى الشريف، حال تونس واستنكر ما فيها من محاربة للدين، وهو نفس موقف راشد الغنوشي قبل وبعد الأحداث، على أن الثابتين على رأيهم ومواقفهم من الحكام ليسوا فقط من المنكرين عليهم المعارضين لهم، بل من المؤيدين ومن ذلك ما كتبه الشيخ السلفي عبد العزيز بن ريس الريس ونشره في موقعه، مستنكرا ما قام به شعب تونس، واصفا إياه بالفتنة والافتيات ومعصية الله والرسول ومخالفة لنصوص الشرع، وضيق الأفق وقصر النظر، حيث كانوا مأمورين بالصبر على حاكمهم ولم يفعلوا.

والشيخ معروف بموالاته للحكام والدعوة لطاعتهم، وموقفه هذا ثابت لا يتغير بأحداث أو وقائع، وقد كان من المنكرين على حماس سيطرتها على غزة معتبرا محمود عباس حاكم شرعي، قبل فوز حماس وحتى بعد فوزها.

ومن الطرافة التي سنختم بها هذا الموضوع أن الحكومات وقعت فيما وقع فيه هؤلاء الدعاة والعلماء، فدول الغرب المنافقة، التي كانت تؤيد ابن علي وتدعمه، أيدت انتفاضة الشعب التونسي وباركتها، في حين نجد بعض الحكومات العربية والإسلامية، بقيت وفية للرئيس الهارب، فأعلن القذافي استغرابه ما قام به الشعب التونسي، معتبرا ابن علي أفضل رئيس، في حين لم يجد الرئيس البوليسي العلماني من يؤويه إلا الدولة التي توصف بالمتشددة والوهابية والمحافظة والرجعية ودولة التوحيد وغيرها من الأوصاف. وآثرت دول أخرى الصمت وعدم التعليق، لأن كل شاة كتعلق من كراعها، وتخطاني غير أنا وتجي فين ما بغات. وهي مواقف متوقعة من هذه الحكومات التي لا يعنيها أبدا إرضاء الجماهير ولو من باب النفاق.





الجمعة، 20 أبريل 2012

مداخلتي في ندوة بيت الحكمة

الأربعاء، 18 أبريل 2012

جريدة الخبر تفجر قنبلة في سجون بنهاشم

كشفت جريدة الخبر في عددها رقم 190، عن أمور جد خطيرة وممارسات جد مخلة، تمارس في سجون بنهاشم، خاصة سجني سلا والقنيطرة، حيث وفر المسؤولون في هذين السجنين، ظروف ممارسة ما يمكن أن نسميها دعارة مقننة، وهيئوا لها كل الأجواء، من تواطؤ و رعاية وحماية وحراسة، وتحولت هذه المؤسسة لوكر من أو كار الفساد.



ففي الوقت الذي لا يسمح بالزيارة إلا لمن يتوفر على بطاقة الزيارة، التي لا يمكن الحصول عليها ، إلا لأقارب السجين، بعد الإدلاء إما بكناش الحالة المدنية بالنسبة للأبناء والآباء، أو عقد الزواج بالنسبة للزوجة، فيمنح الزائر بطاقة تحمل صورته ومعلوماته الشخصية، على وجه، وصورة السجين ومعلوماته على الوجه الآخر، وبهذه البطاقة فقط يمكن للزوجة أن تزور زوجها، حيث صرحت لنا إحدى الزوجات أنها تحافظ على بطاقتها أكثر من أي شيء آخر، لأنه بدونها لا يمكنها رؤية زوجها، أما إن أرادت هذه الزوجة أن تختلي بزوجها خلوة شرعية، فالأمر جد معقد، عليها الإدلاء بالإضافة لهذه البطاقة، بعقد الزواج من جديد وعقد ازدياد، وشهادة تثبت عدم حمل الزوجة؟؟؟ (مع ما في هذا من إهانة و اتهام ضمني للزوجة)، وأحيانا تطالب بإحضار مجموعة من الصور.



أمام كل هذه التعقيدات والإجراءات والمساطر، استطاعت إحدى السيدات (حسب الموضوع القنبلة الذي فجرته جريدة الخبر استنادا إلى مصادرها الخاصة)، أن تتسلل لسجن القنيطرة، وترتبط بعلاقة غير شرعية مع أحد السجناء، وأصبحت تزوره (رغم أنه لا يربطها به أي رابط، ورغم أنها لا تتوفر على بطاقة الزيارة)، بشكل أسبوعي، كل ذلك يتم تحت أعين الحراس والإدارة والمسؤولين، بل بلغ بها الأمر حد الاختلاء به خلوة غير شرعية، ويجري بينها وبينه مايجري بين الزوج وزوجته في غرفة النوم، أجواء تشرف على تهييئها إدارة السجن، رغم أن المرأة لا تتوفر على أية وثيقة، تثبت قرابتها لهذا الشخص، فهل الأمر يتعلق برشوة؟ أم بطلاسم واستخدام الجن؟ أم بقدرات خارقة لهذه المرأة؟.



القضية القنبلة لم تتوقف عند هذا الحد، حيث تخبرنا جريدة الخبر، دائما حسب مصادرها المطلعة، أن هذه المرأة وبالتزامن مع جريمتها في سجن القنيطرة، استطاعت أن تستنسخ تجربتها بجزئياتها وتفاصيلها، وتعيد تكرارها في سجن سلا، مع ضحية أخرى، وهكذا أصبحت هذه السيدة تتقلب في أحضان رجلين وتتناوب كل أسبوع على أحدهما، دون أن يدري كل منهما بأمر هذه الخائنة، كل ذلك أمام أعين إدارة السجنين، التي تواطأت مع السيدة.



وبما أنه لا توجد جريمة كاملة، فقد تناهى لسمع الزوجين أو العشيقين خبر المرأة، وحقيقتها الصادمة، فقررا دون تنسيق بينهما، طردها من حياتهما، الغريب أن السجينين اكتشفا الحقيقة، لكن الإدارة بحراسها وإمكانياتها لم تستطع ذلك، مما يطرح أكثر من علامة استفهام، لكن الأغرب والأعجب من كل ذلك، ودائما حسب قنبلة جريدة الخبر، أن هذه المرأة الداهية، استطاعت بنفس الطريقة أن توقع في شباكها سجين آخر، وتوقع معه إدارة سجن ثالث، لم تذكره، والمرأة لحد كتابة هذه السطور، تزور عشيقها في ذلك السجن وتختلي به، بمباركة إدارة السجن الثالث، في وقت تعاني فيه عائلات المعتقلين السياسيين والإسلاميين ومعتقلي السلفية الجهادية، منذ أحداث سجن سلا، من تضييق في الزيارة، وتفتيش مهين وحرمان للزوجات من الاختلاء بأزواجهن، بل منعت الإدارة توثيق عقد الزواج كما في حالة السيدة أم آدم، التي حرمت من زيارة زوجها بحجة أنها لا تتوفر على عقد زواج، ومنعت الإدارة في نفس الوقت دخول العدول لتوثيق العقد، رغم مطالبة الزوجين المتكررة، بذلك منذ زواجهما قبل سنة. وبلغت زيارات هذه السيدة حوالي 40 زيارة، دون أن تتمكن من زيارة زوجها.



فبأي معايير تتعامل هذه الإدارة مع المواطنين؟ وما حقيقة الاتهامات التي وجهتها لها جريدة الخبر؟

أبو علاء

الأحد، 1 أبريل 2012

الجماعات الإسلامية ومشاريع التغيير. (1)


مصطفى الحسناوي


مقدمة بين يدي البحث:
تعدد المنطلقات ووحدة الهدف




مع اشتعال الثورات والاحتجاجات في العالم الإسلامي، عاد الحديث عن الجماعات الإسلامية للواجهة من جديد، حديث يدور حول مشاريعها وبرامجها وخططها ودورها وموقفها وموقعها مما يجري، بل اجتر البعض أسطوانة الحديث القديم الجديد عن أهدافها وارتباطاتها ومؤامراتها وحقيقتها، حينا بجهل، وأحيانا بقصد وسوء طوية.
كما بدا من البعض ومنهم إسلاميون، محاولة الركوب على هذه الثورات والاحتجاجات، مدعيا أنها من صميم ما كانوا يدعون إليه، أو أثبتت نجاعة طرحهم، كما قال الدكتور خالص جلبي، صاحب مدرسة الدعوة للسلم ونبذ العنف، والمتأمل في دعوة خالص جلبي وماهو حاصل في عالمنا العربي يلحظ البون الشاسع، ويكفي أن هذه الثورات ليست سلمية، فالخسائر في الأرواح والأموال فادحة، وضراوتها وبشاعتها لاتخفى على ذي عينين.
كما ادعت بعض الأحزاب الإسلامية أن هذا هو الطريق، رغم أن هذا الفعل التغييري تم من خارج مظلة الأنظمة وقلب الطاولة عليها، وهو عكس ما كانت تؤطر عليه هذه الأحزاب أتباعها، من إصلاح وانفتاح وتأقلم وتكيف.
وقال البعض أنها ثورات ديمقراطية، وهو أغرب وصف سمعته، فالثورات قد تأتي بدولة ديمقراطية مدنية وقد تأتي بدولة إسلامية، وقد تأتي بالشيوعية، وقد تأتي بولاية الفقيه، وقد تعيد الاستبداد، كما أنها ليست ديمقراطية حتى بمفهوم الأغلبية، فسكان مصر البالغ عددهم ثمانين مليونا،لم يتجاوز عدد الثوار ثلاثة ملايين، أي حوالي ثلاثة ونصف في المائة، كما أنها تجاوزت العمليات الانقلابية والاغتيالات المسلحة.
إنها ثورات هكذا هو اسمها، ليست ديمقراطية ولا ديكتاتورية، وليست سلمية ولا عنفية.
وسط هذا الخلط الحاصل في فهم حقيقة وواقع الجماعات الإسلامية، فإنه لا يمكننا أن نفهم دورها في التغيرات والحراك الحاصل في عالمنا الإسلامي، ولا في أي حراك أو نهضة أو تغيير مقبل. لذلك كانت هذه المساهمة التي ستستمر مع القراء في حلقات، قصد الوقوف على حقيقة كل جماعة، منطلقاتها وأهدافها، وقد اعتمدت في توصيف واقع كل جماعة على أدبياتها وتصريحات قادتها، كما استفدت من الاحتكاك بأتباع كثير من الجماعات ومناقشتهم ومحاورتهم، لأخرج في الأخير بهذه الخلاصة التي أضعها بين يدي القارئ، تاركا له استنتاج دور كل جماعة في ما هو حاصل، هل هي ممن قاد الاحتجاجات والثورات؟ هل هي ممن دعا إليها؟ هل هي ممن حرض بشكل مباشر ضد بعض الأنظمة الفاسدة؟ أم كانت ممن ساهم في تثبيت دعائمها؟ هل هذه الجماعة أو تلك ساهمت بشكل من الأشكال في إشعال الشارع وتأجيج الثورات؟ أم هي ممن تبرأ منها واستنكرها وحاربها؟ أم هي ممن حاول ركوبها؟ أم كانت تلك الجماعة من المتابعين عن بعد؟ أم هي غائبة تماما عما يجري ويدور؟ ولقد كنت في توصيفي متجردا محايدا، غير متحيز ولا متحامل.
ولابد في البداية من الإشارة إلى أن ظهور الحركات الإسلامية وتعددها بهذا الشكل، هو نتيجة طبيعية لسقوط الدولة الإسلامية التي توحد المسلمين وتسهر على تطبيق الإسلام في حياتهم العملية، وهو نتيجة طبيعية لما أعقب هذا السقوط من فساد وضياع وتشتت وتفتت للأمة. لذلك شهد العالم أنواعا من الأفكار والتصورات والاجتهادات لطبيعة العمل الإسلامي، بعض هذه التصورات والأفكار سليم، وبعضها الآخر منحرف. كما أن بعض هذه الأفكار تدعو إلى تغيير هذا الواقع تغييرا جذريا يشمل أفكاره ومعتقداته وسلوكاته وعاداته ونظمه وتشريعاته، لكن هناك بعض الدعوات تدعو إلى العمل الوعظي المتعايش مع هذا الواقع، وأخرى لعمل حزبي سياسي لا يتجاوز المطالبة بتحسين الوضع المعيشي للمواطن، أو مجرد تسجيل الحضور ضمن المشهد السياسي الحزبي. ويمكن أن تصل بعض الدعوات والأفكار أسوء من ذلك، نتيجة انحرافات في العقيدة أو الفهم. لكن لم يكن ظهور هذه الحركات والجماعات نتيجة لبؤس اقتصادي أو لقمع سياسي أو جهل أو أو....
إن هذه الحركات بمختلف مدارسها ومشاربها، هي الامتداد الطبيعي لما كانت عليه الأمة الإسلامية منذ ظهورها ونشأتها. وغيرها من التيارات والأفكار والأيديولوجيات هي طارئة ودخيلة.
وإن الأصل، أن يكون العمل الإسلامي متكامل، وأن تكون الجماعات الإسلامية متضامنة لخدمة هدف واحد لكن هذا التعدد وكثرة الآراء والاجتهادات، "أفرز مفاهيم متناقضة حول العمل الإسلامي نفسه ومن ذلك كون العمل الإسلامي إصلاحي أو تغييري وكونه جماهيري سياسي أو عقائدي وكونه سلمي أو عنفي"( ).إلى غير ذلك من الإشكاليات المتوهمة والمتخيلة، التي أنتجت علاقة صراع وشقاق بين هذه التنظيمات، وأصيبت بداء الحزبية من انشقاق وتصدع وتأسيس وإعادة تأسيس، والخط التصحيحي، إلى غير ذلك من الأمراض.
ويمكن اعتماد عدة تقسيمات وتصنيفات لهذه الجماعات والحركات لتفكيكها وفهم حقيقتها وطبيعتها وبرنامج عملها ونقط التقائها واختلافها، بعيدا عن التنميط والاختزال والتبسيط، ومن ذلك على سبيل المثال:
1 التقسيم المكاني. حيث نجد تنظيمات قطرية، وأخرى عالمية، التي تنقسم بدورها إلى قسمين:
* تنظيم عالمي يخضع لقيادة واحدة وضمن برنامج عمل موحد.
* تنظيم عالمي مستقل بقياداته وقراراته ولكن ضمن فكر واحد وأيديولوجية ورؤية واحدة.
2 التقسيم حسب السرية والعلنية.
3 التقسيم حسب العمل السلمي، الذي ينقسم بدوره إلى قسمين:
والعمل السلمي ينقسم إلى قسمين: عمل تحت مظلة النظام وضمن مؤسسات الدولة، وعمل خارجها.
4 التقسيم حسب العمل المسلح والذي ينقسم بدوره إلى أقسام:
* عمل مسلح ضد قوات المحتلة الغازية.
* عمل مسلح ضد أمريكا وحلفائها أينما وجدوا.
* عمل مسلح ضد الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية.
* عمل مسلح ضد السياح والأجانب بشكل عام.
5 التقسيم حسب القبول بالديموقراطية ورفضها.
6 التقسيم حسب الهدف والغاية.
7 التقسيم بحسب التمسك بفهم السلف والتزامه من عدمه.
هذه التقسيمات تجنبنا الخلط الذي يمارسه الكتاب الغربيون، وبعض العلمانيين الاستئصاليين و بعض من يقدمون أنفسهم خبراء في الحركات الإسلامية في بلادنا، بقصد و بغير قصد.
ولم أشر في هذا التقسيم إلى معتدل ومتشدد أو متطرف، لأني أولا لا أستسيغ هذا التقسيم، وهو تقسيم نسبي. فما يعتبره البعض اعتدالا يعتبره الآخرون تطرفا والعكس بالعكس. ثم إن مصطلح الاعتدال لا يقصدون به ما ينافي الغلو، حيث أصبح للإعتدال مدلول آخر هو القبول بالقيم الغربية والدعوة إليها وعدم معارضتها. لذلك اعتبرت كوندوليزا رايس. كلا من السعودية ومصر والأردن دولا معتدلة؟ !.
وليكن حديثنا في البداية عن الجماعات العالمية، و نبدأ في الحلقة المقبلة بأشهر تيار إسلامي عالمي.
تيار الإسلام الديمقراطي
 

حقوق

حقوق