السبت، 28 أبريل 2012

شيطان بفستان





كانت لي حبيبة هي إلى صفات الشيطان قريبة، أحببتها حبا لم يعهده الأولون، ولن يشهده الآخرون، أضفيت عليها كل صفات الطهر والنقاء، والحشمة والعفاف والوقار، والبراءة وسلامة الطوية، وأسبغت عليها من المزايا ما يرفعها فوق صفات البشر، وثقت بها ثقة المرء بنفسه، بل أكثر.
كانت حبيبتي ماكرة، عرفت كيف توقعني في حبائلها، لم تترك منفذا إلى قلبي إلا ولجته، ولا بابا لعقلي إلا طرقته، ولا سبيلا لنفسي إلا سلكته، فتقمصت كل الشخصيات المحبوبة إلي، وانتقت كل العبارات المفضلة لدي.
كانت حبيبتي غادرة، فقد كانت تضمر عكس ماتظهر، وتخفي غير الذي تبدي، توقع الضحية في شباكها، ثم تتفنن في إيذائها وتعذيبها، كجلاد حاقد، ثم تتركها ليقتلها الموت البطئ، وتهجرها كما يهجر الحيوان المفترس، بقايا طريدته.
كانت حبيبتي خائنة، توقع أكثر من ضحية بنفس الطريقة، تتقلب بين الرجال دون كلل ولا ملل، عازفة نفس اللحن، تنشد نفس الأغنية، وتلبس نفس القناع، قناع البراءة، براءة حد البلادة والبلاهة، هذا ما يبدو على ملامحها، لكنها ذكية وعبقرية وفنانة، تراجع مواعيد عشاقها لليوم الموالي، قبل نومها، تحدد المكان والزمان والتوقيت، كمسؤول عن تنظيم مواعيد القطارات وسيرها، كي لا تلتقي وتصطدم.
ذكية وعبقرية وفنانة في انتقاء الضحية
ذكية وعبقرية وفنانة في استدراجها
ذكية وعبقرية وفنانة في إحكام السيطرة عليها، في إغراقها وكتم أنفاسها، في لفظها كالنواة.
حبيبتي شيطان استدرجني واستزلني، فعشقتها، منحتها عصارة قلبي وخلاصة حبي، واعتقدت أني بحبها أسمو فإذا بي أهوي.
حبيبتي شيطان، لأني اكتشفت خيانتها، ولم أتوقف عن حبها، كلما ازدادت هجرا ازددت تعلقا، تزداد خيانة فأزداد حبا، تنساني فأذكرها، تتجاهلني فألح عليها، تؤذيني فأسامحها، لم يعد لي في قلبي لها أي مكان للبغض أو الحقد، الحب أسهل من الكره على نفسي، أي شيطان تلبس بي، أسعى لحتفي بظلفي.
كنت أستغرب من عبدة الشيطان، يقدسون من يسوقهم إلى الجحيم، ويعبدون من سيحرمهم من النعيم، فإذا بي في محراب شيطاني أتوسله، أن يزيدني عذابا، ويسقيني آلاما وأوجاعا، أذرف الدموع ليجود باسترقاقي، ويتفضل باستعبادي، ويتكرم باقتيادي لحظيرة ضحاياه ومقبرة قتلاه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق