الاثنين، 21 يناير 2013

الجماعات الإسلامية ومشاريع التغيير. (3)



بقلم: أبو علاء مصطفى الحسناوي


حزب التحرير الإسلامي



يصف نفسه بأنه حزب سياسي مبدؤه الإسلام، وهو تنظيم سلمي، عالمي، (يدور بين السرية والعلنية حسب الظروف والأحوال، حيث أن الحزب له في بعض البلدان قيادات معروفة وناطق رسمي ومقرات، يزاول فيها أنشطته بكل حرية، كالسودان ولبنان وتونس مؤخرا)، ينشط في ما يزيد عن الأربعين دولة، يدعوا إلى التغيير
الإنقلابي والشامل لكل الأوضاع الحالية، وإرجاعها إلى حكم الإسلام، لكن ليس بالقوة والسلاح، فموقفه من العمل المسلح ليس تاكتيكي أو مرحلي، بل هو موقف عقدي لا رجعة فيه.
تأسس هذا الحزب على يد القاضي تقي الدين النبهاني سنة 1953 لإقامة دولة الخلافة، وهو أول من دعا إلى إعادة الخلافة بكل صراحة ووضوح ، وفق خطة من عدة مراحل، يقول أنها الخطة نفسها التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو هدفه الوحيد الذي لا رجعة فيه، حيث أنه أولى عنده من تغيير المنكر أو الجهاد لإخراج المحتل.
لكن ما هي خطة الحزب للوصول إلى الحكم، أو ما هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يقول الحزب لإقامة الدولة.
ينطلق الحزب في ذلك من أن الإسلام عالج جميع مشكلات الحياة، لقول الله عز وجل: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، وأنه لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا تطرق لها، لقوله سبحانه: "وكل شيء فصلناه تفصيلا" .
لذلك فالنصوص حسب الحزب، إما أن تكون واضحة، قطعية الدلالة أو الثبوت، مفصلة، فيجب اتباعها بدون نقاش، وإما أن تكون ظنية أو مجملة أو مطلقة. فيجب الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لنرى كيف فصلها وبينها، وكيف نفذها وطبقها. فالصلاة مثلا جاءت في القرآن مجملة، ولا يمكن أن نجتهد بعقولنا في كيفية أدائها، بل يجب الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لنرى كيف نفذ هذا الحكم الشرعي المجمل، من خلال أفعاله وأقواله وتقريراته، ونفس الشيء يقال عن كل الأحكام المجملة، من صيام وزكاة وجهاد وحج وزواج وتطبيق الشريعة وبناء الدولة.
وبالرجوع إلى كيفية إقامة الدولة من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم نجدها مرت بثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى:
بدأت الدعوة فردية، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتقصد معارفه وأصدقائه والمقربين منه، وكان التركيز بداية الأمر على العقيدة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يبين فساد العقائد المنحرفة، ولما تكونت جماعة تعيش بالإسلام وللإسلام تم الانتقال إلى مرحلة موالية.
المرحلة الثانية:
حيث بدأ توجيه الخطاب للمجتمع بشكل جماعي وليس فردي، وُأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بإظهار جماعته وإعلان دعوته "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" . ورغم هذا الصدع فإن المشركين لم يردوا عليه، حتى هاجم آلهتهم وكبراءهم، وكشف فسادهم وجرائمهم، دون مداهنة ولا حلول وسطى. فكان خطابه لهم قول الله تعالى: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" ، وأيضا قوله تعالى: "تبت يدا أبي لهب وتب". وهاجم علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية. لذلك كان طبيعيا أن يخالفوه ويجمعوا على عداوته، فوقع الصدام مع المجتمع، واستمر هذا الصراع الفكري بين أفكار الإسلام وأفكار ومبادئ الكفر، وتصوراته للحياة والكون والاقتصاد والاجتماع والحكم.
فبدأت قريش تؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعذب أصحابه، وقدم المسلمون التضحيات والشهداء، لا يزيدهم ذلك إلا إصرارا و ثباتا، ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم، يبحث عن قوم يتبعون دعوته ويحمونها وأصحابها، وهو ما يسمى عند حزب التحرير بطلب النصرة.
المرحلة الثالثة:
حاول الرسول صلى الله عليه وسلم، طالبا النصرة، من عدة قبائل وعدة جهات، علها تحميه ودعوته وأصحابه، فكان يرد أسوأ رد، لكنه استمر رغم ذلك، حتى يسر الله له رهطا من الأوس والخزرج، فكانت بيعة العقبة الأولى، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم، عددا من الصحابة، إلى المدينة لتعليم الناس الدين، وتهيئة الأجواء، ثم كانت بعد عام، بيعة العقبة الثانية، حيث تعهد المبايعون بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا هاجر إليهم وأقام الدولة الإسلامية هناك.
هذه الطريقة بمراحلها يتبعها حزب التحرير، وهي عنده حكم شرعي لا ينبغي مخالفته، والحزب منتشر في العالم كله بأعداد كبيرة وهو يسمى المناطق التي يتواجد بها ولايات، كولاية مصر وولاية السودان وولاية تركيا وولاية الأردن، وهكذا...
والحزب في بعض الولايات كما يسميها، في المرحلة الأولى لقيام الدولة مرحلة الدعوة الفردية، وفي بعضها الآخر في المرحلة الثانية، مرحلة مواجهة الفساد والعقائد الفاسدة، ومهاجمة الأفكار والعقائد التي يعتبرها مخالفة للعقيدة الإسلامية، كالديمقراطية والشيوعية والرأسمالية والليبرالية والوطنية والقومية، تماما كما هاجم الرسول صلى الله عليه وسلم، العقائد والأفكار الفاسدة، في زمانه، كما يراسل الحزب الحكام طالبا منهم تطبيق الشرع وإعلان الخلافة. كمراسلته للصدام حسين ومعمر القذافي والخميني وغيرهم.
طلب النصرة في هذا العصر حسب رأي الحزب، تكون من أهل القوة والمنعة، كالجيش، وكالشعب، إذا تم بناء رأي عام قوي ومساند للفكرة، وكالقبائل في المناطق القبلية كاليمن وباكستان.
إن طلب النصرة عند الحزب هي النقطة المفصلية والمحورية التي لا يمكن التراجع أو التخلي عنها، وهي التي تميزه عن باقي الحركات والجماعات الإسلامية الأخرى، التي يشترك معها في أفكار أخرى.
ورغم إصرار أصحاب هذا الحزب، على رفض العمل المسلح، أو كما يسمونه، العمل المادي، وتأكيدهم على التغيير السلمي، حيث لم يثبت ضدهم أي عمل مسلح، في أي منطقة من مناطق العالم، إلا أن ذلك لم يشفع لهم، عند من نصبوا أنفسهم، لتصنيف الناس، وإعداد لوائح وقوائم لهم، فتكال لهذا الحزب تهم الإرهاب والتطرف، من طرف أمريكا والدائرين في فلكها، ففي تقرير أصدرته مؤسسة راند الأمريكية في شهر فبراير 2004 بعنوان "الإسلام المدني الديمقراطي الشركاء والموارد الإستراتيجية"، قسم الاتجاهات الفكرية في العالم الإسلامي، التي يمكن أن تخدم المشروع الأمريكي، والتي يمكن التحاور و التقارب معها، والتي سماها: جماعات الإسلام الديمقراطي، والجماعات التي يجب القضاء عليها، ولا حوار معها، إلا السلاح والمطاردة، فكان من ضمنها بالإضافة إلى التيار السلفي والجماعات الفلسطينية المسلحة الإسلامية (فقط، دون الإشارة للجماعات المسلحة غير الإسلامية)، كان حزب التحرير من ضمن الجماعات الإرهابية، التي يجب مطاردتها. وللإشارة فإن هذه المؤسسة التي وضعت هذا التقرير، هي التي تتولى صياغة مناهج التعليم في العديد من البلدان الخليجية.
إن وضع هذا الحزب وتصنيفه مع مايسمى إرهابا، وتشددا، واتهامه على الدوام باستعمال العنف، والتنسيق مع الجماعات الجهادية، سببه ولا شك الحرب المعلنة وغير المعلنة، على الإسلام، من جهة، وعلى الجماعات المقاومة والممانعة، لمشروع الغرب ومصالحه، سواء استعملت هذه الجماعات السلاح، أم لم تستعمله، طالما أن مساحات كثيرة تجمعها، ونقط كثيرة تشتركها، وهدف موحد يوحدها، من جهة أخرى. ولعل في استعراضنا السابق، لكثير من أفكار الحزب، توضيح لكثير من تلك الأفكار والأهداف، التي تجمع الحزب، مع التنظيمات والجماعات المسلحة، رغم أن الأفكار التي تفرقهم، وتحول دون توحدهم والتنسيق فيما بينهم، كثيرة، لعلنا نستعرض بعضها في عجالة، لكي نضع تهمة وصفه بالإرهاب على المحك.
يتفق حزب التحرير، مع التيار السلفي الجهادي في رفض الديمقراطية، ومواجهة الأفكار والعقائد الفاسدة، ووجوب تغيير الحكام وإقامة دولة الخلافة، ويختلف معه في ربط الجهاد بوجود خليفة، ورفض استعمال السلاح تحت أي مبرر، في غيابه، أو في غياب دولة الإسلام. حجته في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يستعمل السلاح أبدا قبل أن يقيم دولته، وهذا يوقع الحزب في تناقض واضطراب في حالات الجهاد لإخراج المحتل، وهي الحالة التي يجيزها الحزب، على اعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقم بأي نوع من الجهاد، ولا حتى دفاعا عن النفس، حين طلب منه الصحابة ذلك، فقال لهم "لم نؤمر بذلك"، لم يقم بكل ذلك، قبل إقامة الدولة. يرد منظروا الحزب على هذه الشبهة، فيقولون أنهم لا يمنعون من أراد الجهاد دفاعا عن بلده من المحتل، لكنهم لا يدعون إلى ذلك ولا يعتبرونه من الأولويات.
إذا نجحت جماعة جهادية، في قطر من الأقطار، في طرد المحتلين، وأعلنت قيام دولة إسلامية، فإنها دولة في نظر "حزب التحرير"، قائمة على أساس غير شرعي، لأنه لم يتبع فيها طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة دولته. دولة الخلافة الأولى، والتي يجب التقيد بها لإقامة دولة الخلافة الثانية، لكن الحزب لا يمانع في مبايعتها والخضوع لها وطاعة أميرها إذا توفرت فيها ثلاثة شروط.
أولا: أن يكون سلطان ذلك القطر سلطانا ذاتيا يستند إلى المسلمين، وليس إلى دولة كافرة، وأمان المسلمين بأمان الإسلام.
ثانيا: أن يكون الخليفة المبايع، مستكملا شروط الانعقاد، على الأقل، ولا مشكلة في شروط الأفضلية.
ثالثا: أن يبدأ حالا بمباشرة تطبيق الإسلام، تطبيقا كاملا.
طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي يعتبرها الحزب الطريقة الوحيدة لقيام دولة إسلامية، نقطة أخرى من نقاط الاختلاف بين هذا الحزب، ومن يتهم أنه ينسق معهم، فيقول شيوخ السلفية الجهادية أن هذه الطريقة، حتى وإن كانت حكما شرعيا فإنه نسخ بحكم آخر هو الجهاد والقتال. وأن المرحلة المدنية نسخت المرحلة المكية، وأن الدين اكتملت نصوصه وأحكامه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعمل السلاح لأنه لم يؤمر بذلك، والدليل قوله: " لم نؤمر بذلك "، في رده على عبادة بن نضلة عندما استعجلت الأنصار الحرب بعد بيعة العقبة الثانية، ثم إنه حمل السلاح، بمجرد ما جاء الأمر بذلك، وليس بمجرد ما أقام الدولة. وأن طلب النصرة أو الحماية كان أمرا معروفا ومتداولا في ذلك العصر، وفي ذلك المكان، حيث كانت تستجير قبيلة بقبيلة أخرى، أو عائلة بقبيلة أخرى وتستنصر بها، أو يدخل شخص في حماية عائلة أو قبيلة، ولقد اندثرت هذه العادة ولم يعد للعائلة أو القبيلة أي دور، وسط هذه الأوضاع الدولية، والتكتلات الجديدة، وبظهور القوى العظمى والدولة القطرية الحديثة. يضيف بعض من ينتقدون هذا الطرح وعلى رأسهم الشيخ مصطفى حليمة، أن طلب النصرة إن كان حكما شرعيا أو كان بهذه الأهمية، لماذا إذن لم تتم الإشارة إليه ولا في نص واحد، والقرآن الكريم الذي بين لنا كل شيء، كيف يغفل أمرا عظيما كهذا تقوم به الخلافة، ويتوحد به المسلمون، ويرفع به الظلم ويحكم بشرع الله.
وكما ينفرد حزب التحرير بقضية طلب النصرة دون سائر الجماعات، وفي سائر الأزمنة، ينفرد أيضا في بعض المسائل العقائدية كتعريف الإيمان وكذلك في أحاديث الآحاد وحجيتها في العقيدة. كذلك في كثير من أمور الفقه وفروع العقيدة. هذه بعض نقط الاختلاف، وهي عند التأمل والتعمق عميقة، تحول دون إجراء أي تنسيق أو تعاون، بين الحزب والجماعات الجهادية، بل لعل في انسحاب وانشقاق أفراد ومجموعات عن الحزب، والتحاقهم بالتيار السلفي الجهادي، خاصة في المناطق المشتعلة، دليل على غياب ما يشفي غليل هؤلاء، ودليل أيضا على غياب ذلك التنسيق المزعوم. ففي 1965، انسحب غانم عبده، أحد مؤسسي الحزب، بسبب جمود الحزب على فكرة طلب النصرة، ليؤسس مجموعة مطلع التسعينات، اسمها "حابا"، كانت أقرب للتيار الجهادي، ولم يكتب لها النجاح، وفي بداية السبعينات، انشق أسعد بيوض التميمي، بسبب موقف الحزب من الجهاد في فلسطين، وأسس حركة الجهاد كتائب بيت المقدس، وفي سنة 1974، أسس صالح سرية، تنظيم الفنية العسكرية في مصر، في أوزبكستان، انشق أكرم يولداشيف، وأسس الحركة الإكرامية، التي تبنت منهج الجماعات الجهادية، أما في بريطانيا، فقد انشق عمر بكري، وأسس "حركة المهاجرون"، التي أقامت حفلا تكريميا لمنفذي ضربات 11 شتنبر، ويستقر عمر بكري الآن في لبنان، بعدما أصبح يتبنى الكثير من الأطروحات الجهادية، وينتقد الحزب، ويرد على كثير من أفكاره.
حزب التحرير يعتبر الجماعة الأكثر تنظيما والأكثر دقة في وضع برنامجه، حيث يطرح البديل على المستوى الاقتصادي وكيفية النهوض به، يطرح كذلك البديل على المستوى الاجتماعي والتعليمي، و يهتم بجميع تفاصيل الدولة وأنظمتها وقطاعاتها حتى لا يقع صراع أو اختلاف أو تأخير في التطبيق عند الوصول إلى السلطة كما يقول الحزب، بل أكثر من ذلك يعتبر الحزب الجماعة الوحيدة التي وضعت دستورا إسلاميا، واضحا ومتكاملا، خارج مظلة الديمقراطية والتعددية والدولة المدنية، وبعيدا عن توجيهاتها وقيودها. وله عدة نشرات وكتب وإصدارات ومجلات أهمها:
"الدولة الإسلامية" و "نظام الإسلام" و "نظام الحكم في الإسلام" و "النظام الاقتصادي في اللإسلام" و "الأموال في دولة الخلافة" و "أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة" و "نقض القانون المدني" و "الديمقراطية نظام كفر يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها" و "منهج حزب التحرير في التغيير". كما أن مجلة الوعي، في نسختيها الورقية والإلكترونية، تعتبر لسان حال الحزب، وغير هذه الإصدارات كثير.
أمير حزب التحرير حاليا، هو المهندس عطا أبو الرشتة، الذي قضى فترة في السجن بالأردن، مع كل من أبي مصعب الزرقاوي، وليث شبيلات، السياسي الأردني المعارض، وفؤاد حسين، الصحفي المشهور ، صاحب كتاب، "الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة".
ختاما نشير إلى أن، الانشقاقات التي ذكرنا سابقا، لم تؤثر على الحزب، لأسباب أهمها، كون تلك الانسحابات والانشقاقات، إما فردية، أو لأفراد معدودين، لم يعودوا يؤمنوا بأفكار الحزب، فهم على قلة عددهم من جهة، لا ينازعون الحزب في شرعيته، وميراثه، من جهة أخرى، لتبنيهم منهجا مخالفا.
لكن الانشقاق الذي زعزع الحزب وكاد يعصف به، إن لم يكن فعل، بدأت بوادره سنة 1997، فقد قام عدد من الأعضاء والقيادات، ، بينهم معتمد الحزب في الأردن، وعضو مكتب الأمير، محمد عبد الكريم أبو رامي، و رئيس اللجنة الثقافية في الحزب، بكر سالم الخوالدة، بشبه انقلاب أبيض، على قيادة الحزب، الذي كان على رأسه، الأمير عبد القديم زلوم، منذ سنة 1977، فطلبت منه هاته المجموعة، إعفاء بعض العناصر، وإجراء بعض التعديلات، فاستجاب لها، ثم طمعت في تنحية الأمير، وتنصيب أبو رامي مكانه، إلا أن الحزب تدخل، وأطلق على تلك المجموعة "الناكثين"، "فانكفأت وأصبحت في طي النسيان"، بتعبير الحزب. إلى أن عاودت الظهور، بانضمام عناصر جديدة إليها، تزامنا مع تولي عطا أبو الرشتة مهام إمارة الحزب، بتاريخ 13 / 04 / 2003، قبل وفاة الأمير السابق بخمسة عشر يوما، فكان ظهورها هذه المرة أقوى، كما وكيفا وحجة وخطورة، عندما راحت تنازع الحزب في شرعيته، وأطلقت على نفسها اسم "الحركة التصحيحية لحزب التحرير"، بقيادة بكر الخوالدة، وأصبحت تهمة الناكثين تتراشقها المجموعتان كالكرة، وأعلنت في بيان في شهر رمضان 1424، تنازلها وتراجعها، عن كثير من أفكار ومعتقدات الحزب بلغت 31 مسألة، ودعت للرجوع إلى الدليل من الكتاب والسنة والتقيد بفهم العلماء، وبلغت شقوق هذا التصدع لكل مكان يوجد به الحزب، وأنشات الحركة لنفسها منبار إعلاميا، بعنوان "صوت الأمة"، بعدما استحوذ الحزب، على الإسم والشعار والمنابر الإعلامية، كالموقع الاإلكتروني للحزب، ومنتدى العقاب، ومجلة الوعي وغيرها.
أما عن ظهور الحزب في المغرب، فتعتبر تونس حسب أغلب المتتبعين، أول بلد مغاربي عرف نشاطا للحزب، وإعلانا عن وجوده، سنة 1983 على عهد بورقيبة، وأصدر نشرة بعنوان "الخلافة"، وجدت طريقها لباقي البلدان المغاربية، فشكلت إلى جانب احتكاك الطلبة المغاربة بأوربا فيما بينهم، شرارة انطلاق عمل الحزب بالمغرب، الذي يبدو أن التأثير التونسي عليه، لايزال قائما، فقد عرفت سنة 2003، إطلاق قانون الإرهاب بالبلدين، وعرف شهر شتنبر من سنة 2006، اعتقال مجموعة من شباب الحزب ومحاكمتهم، بكل من البلدين، الغريب أن الأحكام كانت متشابهة أيضا حيث لم تتجاوز أربع سنوات، ولعل المكتب الإعلامي لشمال إفريقيا الذي أصدر البيان الصحفي بخصوص المعتقلين الغاربة، هو نفسه المكتب الإعلامي للحزب بتونس، لتزامن حملة الاعتقالات في البلدين، مع فارق أن حملة القمع والاعتقال في تونس، طالت شباب الحزب منذ إعلان نفسه واستمرت إلى سقوط نظام بن علي، ثم شكل إعلان الحزب عن نفسه ثانية في تونس، ومشاركته في المظاهرات، وعقده للندوات، بعد رياح التغيير التي عصفت بالنظام التونسي، مصدر إلهام ليطلق الحزب في المغرب موقعه الإلكتروني، ويعلن عن مكتبه الإعلامي.
تركز نشاط الحزب بالمغرب بداية الأمر، على التعريف بحزب التحرير الأم ومشروعه، فكانت توزع المنشورات والأقراص المدمجة، عن كل ما يوحد المسلمين ويهمهم، كالخلافة وتوحيد الصيام ومآسي المسلمين في العالم، ومواقف الحزب من عدد من القضايا السياسية العالمية.
بتاريخ 01 / 09 / 2002، سيصدر الحزب منشورا بعنوان: "الانتخابات التشريعية النزيهة حل سحري أم ألهية جديدة" انتقد فيه العملية الانتخابية، واصفا إياها بالألهية، منتقدا ما يصاحبها من تزوير ومحسوبية، دون ان يتطرق لأي موضوع آخر، ولا أن يشير لنفسه من قريب أو بعيد.
بعد الانتخابات، أصدر الحزب بتاريخ 10 / 09 / 2002، ما يشبه تقييما للعملية برمتها، وكان من جملة ملاحظاته، أن الإسلام كان الغائب الأكبر، حتى عند الأحزاب الموصوفة بالإسلامية، بل كان غائبا حتى على مستوى الشعار، وهو ما يجعل الأحزاب كلها متشابهة لا فرق بينها.
في الفترة الممتدة ما بين 2004 و 2006، كثف الحزب نشراته ونوعها، كما وكيفا، كما وقع بعضها باسمه، وروج لأخرى دون توقيع، وكانت عبارة عن مواقف ورؤى، كالموقف من تفجيرات الدار البيضاء الأسباب والحلول، والموقف من التدشينات الملكية، والموقف من تعامل الدولة مع زلزال الحسيمة، وبتاريخ 01 / 06 / 2004، أصدر نشرة بين فيها موقفه من الخوصصة. ثم بتاريخ 22 / 02 / 2005، أصدر نشرة علق فيها على مجموعة من القضايا، تهم الصحراء المغربية، وعلاقة النظام بأوربا وبأمريكا، وقضية الإصلاحات والانفتاح الديمقراطي بالمغرب، وبتاريخ 04 / 05 / 2006، أصدر الحزب نداءين، على إثر إقدام كل من جريدة "الأحداث المغربية"، ومجلة "تيل كيل"، على نشر مقالين فيهما من الاستهزاء بالذات الإلهية والرسول الكريم وزوجاته أمهات المؤمنين، وعقيدة المسلمين، حدا غير مسبوق حتى في الدول غير الإسلامية، خاطب في أحدهما علماء المغرب، ودعاهم للصدع بالحق وأطر الحاكم عليه أطرا، والعمل مع الحزب لاسترجاع الخلافة. ووجه النداء الثاني للمسلمين كافة، يدعوهم للعمل مع الحزب لاسترجاع دولة الخلافة، وإقامة سلطان يحفظ الإسلام ويدافع عنه، من مثل هذه الهجمات.
وقد وزع الحزب في تلك الفترة منشورات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى، وأخرى حول الحكم الذاتي في الصحراء، وثالثة تطالب بتحكيم شرع الله عن طريق دولة الخلافة، قبل أن يتلقى ضربة باعتقال مجموعة من الشباب الناشط في صفوفه، أوائل شتنبر 2006، ويتوارى عن الأنظار، ليظهر بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي، سنة 2011. حيث انتقد الفرع المغربي للحزب، العملية الانتخابية، في إشارة عابرة، في بيان بتاريخ 10 / 08 / 2011، بعنوان: "الأوضاع البالية في المغرب لا حل لها إلا بالإسلام"، عممه على وسائل الإعلام، وانتقد فيه، ما أسماه النظام العلماني الحاكم، مرجعا الفساد المستشري إلى طبيعة النظام، وليس إلى الأشخاص، معتبرا أن الحل في الرجوع إلى الدين، وليس في الانتخابات التشريعية، أو الملكية الدستورية أو الجمهورية أو الديمقراطية.
ثم وزع الحزب، منشورا بتاريخ 19 / 10 / 2011، بعنوان "الانتخابات التشريعية في المغرب التفاف على إرادة الأمة"، وجه فيه نداء للمغاربة المسلمين، يدعوهم لمقاطعة الانتخابات التشريعية، بصياغة أقرب إلى التمني، منها إلى الأمر أو الدعوة، حيث قال: "إن الموقف المنتظر من المسلمين في المغرب أن لا يشاركوا في هذه الانتخابات، ولا ينقادوا للأحزاب المنخرطة فيها". لكن المثير في هذا المنشور، أنه لم يتحدث عن دولة الخلافة، والتي عادة ما تكون محور خطاباته، وإن أشار لمعنى من معانيها، بقوله إن: "حل المشكلة في استبدال النظام الذي ارتضاه الله للمسلمين، بالنظام الذي لايعترف بسلطان الله".


0 التعليقات:

إرسال تعليق